وتركوهن عوار لا يتوارين بقليل ولا كثير ، وما منهن إمرأة إلّا وقد نالها ضربة سيف ، أو رمية منهم ، وأخذوا صبيّا ابن ستة اشهر ليضربوا به الجدار فلحقته أمّه واستنقذته بعد ان جرّوه على الأرض وشجوه وأخذوا طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها أربعة أعوام فضربوها بالسّيف ضربتين ، وفعلوا أفعالا تنمّ عن روح جامحة متمرّدة تحفزها الذكريات ، الى دارس بال ، وعهود بالجما أيّام كعبة نجران ونشيد الرهبان (١) وقد قدمنا لك ايها القارىء ما فعله الإمام عند ما دخل نجران أول مرّة مع أهل الذّمة ، وهم من النصارى كما سيأتي بيانه عند الكلام على نجران أيّام الإمام القاسم بن علي العياني ، ولو أن قدماء المؤرخين نظروا إلى الحوادث نظر استنتاج ، ولا حظوا احوال البيئة والوسط الذي عاشت فيه هذه الطائفة والظّروف الداخلية والخارجية التي كان لها أثرها في تكوين طباعهم وتلوين مشاربهم لظهرت النتيجة معلنة بما كان لدعاة النصرانية ، من يد في تأريث تلك النار ، ولكنهم اكتفوا بالنظر السّطحي وتدوين الملاحم البشرية والمعارك الدموية ، فجاءت الثمرة ناقصة يعوزها النضوج ، والاكتمال ، وانظر إن شئت إلى هذه الحوادث الجلية (٢) ذات الشأن في تاريخ اليمن ، تجدها شغلت معظم أيام اكبر الأئمة وأعلاهم شأنا ، وأخرت سير اصلاحه الديني والمدني كثيرا ، وكادت تقضي على بنيانه لو لا عناية الله ، ومع ذلك فإنك لا تكاد تظفر بكلمة لكاتب يشير بها إلى السّبب الحقيقي (٣) ، والباعث الأول لوجود تلك المشاكل ، ومما يقوّي ما ذهبنا إليه من أن بعض قبائل نجران كانت تساق أو تتأثر بطقوس النّصرانية ودعاتها ما جاء في قصيدة للإمام الهادي قالها لما تآمرت عليه نجران وبعض
__________________
(١) توسع المؤلف في خبر مقتل محمد بن عبيد الله العباسي نقلا عن المصدر الذي ينقل عنه وهو سيرة الهادي وكان مؤلفه ابن القتيل كما ان مؤلف هذا الكتاب وهو الشهيد المطاع ينتمي في نسبه إلى العباسي المذكور فيعلم.
(٢) في الأصل الجلي.
(٣) في الأصل الحقيقي.