فلم يجد بدّا من النهوض معهم ، وهو كاره لذلك ، وتحكموا عليه في الحركة والسكون وأصبح معهم لا يبدي (١) ولا يعيد ، ولقد سأله سائل في تلك المدّة أتقصر الصلاة أم تتم ، فقال : سل على ذعفان دلاله على أنه لا يملك راية في الحلّ والترحال وأنه طوع رأي غيره من الرّؤساء ، وتقدمت رؤساء همدان بمن معها إلى حاز من همدان وزحفت جيوش الصليحي إلى قراتل بجوار حاز ، ولما ألتقى الجمعان ، ولّت همدان ومن معها من القبائل مدبرة وتفرقوا أيدي سبأ ، وكان الشريف الفاضل قال لهم : اغزوا بنا القوم إلى موضعهم فلم يسعدوه ، ثم قال لهم : أتبعوني الخيل إلى صنعاء فلم يتبعوه ، فلما حقّت عليهم الهزيمة ، وطاروا شعاعا ، ثبت الشريف الفاضل في خمسة نفر من أصحابه ، فأبلوا بلاء حسنا ، وفي هذه الوقعة قتل علي بن ذعفان ، وقيس بن وهيب وجماعة من وجوه الناس.
الهرابة وما كان بها من الأحداث
بعد الفشل الذي منيت به القبائل ، والهزيمة التي فرقتهم أيدي سبأ في الوقعة المتقدمة انتقل الشّريف الفاضل ومن رافقه من آله وشيعته ، مثل جشم بن عبد الأعلى بن الدعام ، والرّبيع بن الروية ، وذعفان بن ذعفان ، وعباد بن شهاب صاحب الهجر بالأحبوب وغيرهم ممن يؤثرون هجران أوطانهم ومنازلهم على الرضوخ والاستسلام للصليحي ، واتفق رأيهم على اتخاذ الهرابة (٢) معقلا لهم ، فاجتمع بهذا الموضع نحو ألفي مقاتل ، ومعهم نساءهم وأولادهم ، ولما اتصل بالصّليحي ما فعله الشريف الفاضل وشيعته ، أخذ يرسل الكتائب والسلاهب (٣) ويرمي الهرابة بالقبائل والقنابل (٤) وأحاط بها
__________________
(١) راجع السيرة واللآلىء المضيئة.
(٢) الهرابة حصن في ناحية بلاد وادعة في الظاهر بنواحي حوث (ص).
(٣) جمع سلهب الخيل الطويل على وجه الأرض.
(٤) القنابل : الطائفة من الناس والخيل.