على العهد والوفاء به ، وفي هذه المدة وعلى هذا الحال والجيش الصليحي محيط بهم يرجمونهم بالحجارة ، ويرشنونهم بالنّبل ، ويضايقون عليهم أماكنهم ومواضع مرورهم ، لأن الهرابة موضع مطمئن من الأرض ، تحيط به آكام وجبال شاهقة ، فهدمت أكثر حصون الهرابة ، وتعب أكثر الناس من هذه الشدّة والمغامرة ، فخرجوا وخلفوا الشّريف ، ونحو مائة فمن لم تطب نفوسهم بخسران الأجر والثواب ، فآثروا ما هنالك وصبروا حتى داهمتهم الجنود الصليحي وحملت عليهم حملة واحدة وتبادلوا مع من بقي القتال ساعة من النّهار ، وخرج الشّريف عيسى بن عياش إلى الصليحي ، فأكرمه وكساه ، وأعطاه الأمان له ولأهل الحصن ، وعاد إلى الشريف الفاضل ، وعرض عليه ما وصل به من الصّليحي ، فلم يقبل الفاضل ، ثم أنه عرض الأمر على أهله وخواص شيعته ، وبعد أخذ ورد أجمع رأيهم على خروج الشريف الفاضل بنفسه الى الصليحي ، فخرج الفاضل ، ولما قرب من مضرب الصليحي نهض لا ستقباله ماشيا وأكرمه وعظّمه ، وكان الشريف الفاضل ، قد أرسل الشريف عيسى بن عياش إلى مكة للاستنجاد بالشريف شكر ابن أبي الفتوح الحسنى ، وبني حسن فلم ينجده ، فعنّفه الصّليحي على ذلك ، وأمر يقبض ما في دار الشّريف الفاضل من سلاح ، وأطلق له منها عشرة أدراع وعشرة أسياف ، وأطلق بجميع أصحابه سلاحهم ، وما يقدر الواحد أن يحمل هو وحريمه ، وكانت الجنود قد تهافتت على الحصن ، فهرع الصّليحي بنفسه لصونهم ، وأخذ يذود كل من يحاول الفساد ، وأرسل البغال فأخرجت النساء والأطفال على اجمل هيئة وإلى هذه الحادثة أشار صاحب البسامة بقوله :
وفي الهرابة ايام لفاضلنا |
|
وصنوه ذي المعالي خير منتصر |
حطّ الصليحي حوليها بعسكره |
|
سبعين يوما وما فيها سوى قطر |
ثم ان الفاضل سيّر بالحرم والذرية صنوه ذا الشرفين الى الحضن ، وأمر الصليحي بهدم الهرابة ، ولما راعه من صبر أولئك الرجال حكى عنه أنه