ولكم لحميركم وكم من مفخر |
|
باق إلى ميعاد يوم المحشر |
لا شك أن أهل اليمن بلغوا مبلغا (٢٣٠) عظيما في الملك ، واتسع نفوذهم ، فشملت معارفهم وحضارتهم كل ما استولوا عليه من الأقاليم والبلدان ، لأنهم وصلوا إلى ما لم تصل إليه مدارك الأمم في تلك العصور كما تدل عليه آثارهم.
ولا سيما بمدينة سبأ الشهيرة ، ومأرب حيث كانت أعظم مدينة في ذلك الزمن ، فيها من المعابد والقصور والحدائق وأنواع طرف المدنية ما يشهد لها بالسبق ، ولأطلالها اليوم من العظمة والجلال ما تتضاءل أمامه عظمة المدائن ، ويصغر بجانبه ملك كسرى وقيصر ، وحسبك ما وصفها به القرآن الكريم قال تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).
وقوله تعالى حاكيا عن هدهد سليمان عليه السلام في وصفه عرش بلقيس وملكها : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ).
قال العلامة شكيب أرسلان : «على أن مؤرخي الأفرنج يعترفون بأن في كتب مؤرخي الإسلام عن مدينة سبأ القديمة والأدوار التي تلتها تنطبق أشد الانطباق على الكتابات المنقوشة في الحجر وعلى المنابع اليونانية والرومانية ، وكلها تفيد أن مدينة سبأ كانت راقية جدا ، وأرقى من المدنيات العربية الأخرى ، فالمباني القديمة الدائرة من آثار سبأ ، والنقوش والتماثيل وبقايا الأعمدة والهياكل والقصور والأسوار والأبراج وسدود المياه ، مما شاهده سياح الأفرنج بأعينهم ، يطابق أشد المطابقة الأوصاف التي وصف بها اليونان والرومان تلك الآثار المدهشة ولا يجدون فيها مبالغة ، كما أنه عند ما ينظر السائح إلى تلك الآثار لا يعود متعجبا مما جاء عنها في كتب الإسلام ، مما كان يظنه من أساطير الأولين ، وحسبك بما ذكره الهمداني من قصر غمدان