العرب ، وما أيدته الكتابات الصخرية نفسها فيما ترويه عن التقادم العظيمة من الذهب والفضة ونفائس الأحجار ، وقد وجد كثير من المسكوكات السبئية ومن الحلى تؤيد أيضا روايات الرواة من كل قبيل اه (١).
وقد علل بعض الباحثين وجود المدنيات بعلل شتى ، منها طيب المناخ ، وكثرة المياه أو المعادن ، ومنهم من يعزوها إلى غرائز اختصت بها بعض الأجناس البشرية ، وصفات جادت بها الطبيعة على بعض الشعوب دون بعض ، وكل ذلك متوفر في هذه البلاد وأهليها.
فمن الذي يجهل ذكاء أهل اليمن الفطري ، ونبوغهم العجيب ونشاطهم ، وما في طباعهم من الوجدان ، ونفوسهم من الحماسة ، وتلك بلا شك من أكبر عوامل النبوغ والتقدم. وفي تاريخهم الغابر كنوز لا تقدر بثمن محفوفة بسياج جلالة العلم ، وطرازه القوة ، وأسراره الذكاء والفطنة ، فكل حجر أقيم ، وكل تمثال نحت ، وكل نقش خلد ، هو صفحة الخلود ، أما من غمرت عبقريتهم أتربة النسيان ، وطمست معالم خلودهم حوادث الأيام ، فلم تتصل بسمع التاريخ فهم أكثر.
وأما خصب التربة ، وبركة الأرض ، وكثرة الإنبات ، وجودة الهواء ، وإعتدال الطقس فأشهر من نار على علم ، قال بعض المؤرخين (٢) : إن مأرب كانت في بهاء ، مشاهدها الطبيعية على شاكلة مدينة دمشق ، يجري في وسطها نهر عظيم تجتمع إليه المياه المنحدرة من أعالي الجبال ، فيتألف من هذه السيول الجائشة بحر شديد الاغتلام ، يفيض مرة في العام على المراعي والحقول فلا يذر فيها حسنا ، ولا يستبقي من روائعها روعة ، وبذلك أصبحت مرتادا للملوك والأمراء ، يرتادونه في فصل الصيف القائظ للترفيه عن أنفسهم ، وفي قوله تعالى : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) ما لا يحتاج إلى مزيد.
__________________
(١) تعليقات الأمير شكيب على ابن خلدون.
(٢) هو الاستاذ المعاصر معروف الارناؤود في كتابه سيد قريش.