(١) ألمعنا فيما سبق من أعداد (الحكمة) إلى عظمة اليمن التاريخية ، قيل في حضارتها القديمة ، ونقلنا ما جاء في وصف تلك المدنية عن قدماء المؤرخين من غير العرب كاليونان والرومان والفرس ونحوهم وكلهم أدلة متظافرة على تقدم المخترعين لتلك المدنية في الآداب والمعارف وتعمقهم في أسرار الطبيعة وما خفى من أمرها ، وبذلك يسهل الحكم بأن اليمن مهد الحضارة ، وأن مدنيتها من أقدم ما عرفه التاريخ.
قال العلامة ابن خلدون رحمه الله في مقدمته عند الكلام على العرب وبعدهم عن الصنائع لتوغلهم في البداوة ما لفظه ، وأما اليمن والبحرين وعمان والجزيرة وإن ملكه العرب إلى أنهم تداولوا ملكه آلافا من السنين في أمم كثيرة منهم ، واختطوا أمصاره ومدنه وبلغوا الغاية من الحضارة والترف مثل عاد وثمود (٣٨) والعمالقة وحمير ومن بعدهم من التبابعة والأذواء إلخ ...
وقد لحظ هذه الحقائق كتاب التاريخ الإسلامي كالمسعودي في كتابه مروج الذهب ، وابن هشام في كتابه المسمى بالتيجان ، والهمداني في الإكليل ، وغيرهم ممن كتبوا عن التأريخ القديم ، كل أولئك قص علينا من أخبار حمير ، وعظمة ملكهم ، وسعة ما استولو عليه من الأقاليم والأمم كالصين والهند والترك والبربر ونحوهم إلى ما يدعو إلى الدهشة والارتباك.
وإليك ما رواه نشوان بن سعيد الحميري للربيع بن ضبع الفزاري في كتابه شمس العلوم ، عند الكلام على ظفار ، قال : وللربيع بن ضبع :
وقل في ظفار يوم كانت وأهلها |
|
يدينون قهرا شرقها والمغاربا |
لهم دانت الدنيا جميعا بأسرها |
|
يؤدي إليهم خرجها الروم دائبا |
وغمدان إذ غمدان لا قصر مثله |
|
زهاء وتشييدا يحاذى الكواكبا |
__________________
(١) الحكمة : العدد ٢ ، السنة الثالثة المجلد الثالث ، ذي الحجة ١٣٥٩ ه (ديسمبر ١٩٤٠ / يناير ١٩٤١ م) ص ٣٧ ـ ٤٣.