ثم قصد الجبال بجمع سمّاهم المهاجرين ، وأقام بموضع يقال له الداشر (١) ، ثم ارتفع عنه إلى حصن يقال له الشرف لبطن من خولان حالفهم وسماهم الأنصار ، ثم ساء ظنه بجميع عسكره فاحتجب عنهم وجعل للمهاجرين نقيبا وللأنصار كذلك وسمّاهما شيخي الاسلام ، فكان لا يدخل عليه غيرهما واستمر يوالي المغار على جهات زبيد ، حتى دمّر القرى ، وعطل المزارع ، واهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد ، ولقد كان هذا الرجل نسيج وحده في طغيان جمع بين القسوة والنّزوة والزهد والشدّة ، والشجاعة والضراعة ، كان حنفي المذهب ، ولكنه يكفّر بالمعاصي ويقتل مرتكبيها ويستبيح قتل مخالفيه ، وسبي ذراريهم فخرب البلاد ، وأهلك العباد ، كان سيىء الظن بأصحابه ، عظيم الإعتماد عليهم في تنفيذ دعوته ، شديد الوطأة عليهم أيضا ، وقد استطاع بمكره وذكاء فطنته ، أن يستولي على قلوب أتباعه ، وكانت قبيلة عك دعامة نهضته ، وأصل مادته استعملهم لتدعيم سلطته ففتكوا بقومه وقبيلته من حمير واستطالوا عليهم بسلطانه. حتى أذلّوا نخوتهم ، وارغموا معاطسهم ، وأخرجوهم من ديارهم ، وقد أشار إلى هذه الأحداث الشيخ العلامة البليغ أحمد بن خمر طاش الشراحي الرعيني الحميري الوصابي في مقصورته (٢) التي ذكر فيها ابن مهدي وأحداثه ، وما فعلته عك بحمير من التشريد والتطريد ، وسرد فيها ما كان لملوك حمير من الغلب والملك ، ومن والاهم من سادات العرب وأول هذه المقصورة :
تأدب القلب تباريح الجوى |
|
وعاده عائد شوق قد ثوى |
__________________
(١) تعرف بالخمر طاشية نسبة إلى مؤلفها وهي في مفاخر قحطان ونبذ من التاريخ والوعظ شرحها في القرن السابع الأديب سليمان بن موسى بن الجون الأشعري المتوفي سنة ٦٥٢ في كتاب مستقل اسماه «الرياض الادبية في شرح الخرطاشية» منه نسخة خطية في مكتبة لندن.
(١) تعرف بالخمر طاشية نسبة إلى مؤلفها وهي في مفاخر قحطان ونبذ من التاريخ والوعظ شرحها في القرن السابع الأديب سليمان بن موسى بن الجون الأشعري المتوفي سنة ٦٥٢ في كتاب مستقل اسماه «الرياض الادبية في شرح الخرطاشية» منه نسخة خطية في مكتبة لندن.