الإسلاميين القدماء عموما ، فقال في سلسلة مقالاته في مجلة الحكمة : «وإنك لتجد كثيرا من المؤرخين وغيرهم يعتبرون المؤرخ كحاطب ليل ، ومنهم من جعل هذه الكلمة تكأة له في سيره المغلوط ، فاشبّهت عليه المخارج والموالج ، واختلط لديه الحابل بالنابل ، فجمع الغث والسّمين ، ومزج الممكن بالمستحيل».
وليس لنا من قول بعد ما كتبه مؤرخنا من شرح واضح لمنهجه العصري في كتابة التاريخ ، ولعله من تحصيل الحاصل أن نقول أن مؤرخنا أسّس قواعد المنهج الحديث في كتابة التاريخ عبر شتّى عصوره ، لم يكتف في ذلك بالنّظرية المجرّدة وحدها ، وقد نشرها في فصوله الممتعة على صفحات مجلة الحكمة. وأوردناها كمقدمة لتاريخه هذا ، بل طبّق منهجه عمليّا بالتجرّد لكتابة التاريخ والخوض في غماره ناقلا وناقدا أو محلّلا ومختبرا.
وعلى كثرة مطالعتي في التراث اليمني ، لم أجد من المؤرخين اليمنيين من سبقه في عمله هذا ، سوى ما نجده عند المؤرخ الحسين بن عبد الرحمن الأهدل المتوفى سنة ٨٥٥ ه ، الذي نقد بعض روايات الجندي ومجازفاته في تلخيصه لكتاب السلوك ، ولكن هذا النّقد لا يعدو أن يكون ملاحظات عابرة حول التراجم التي ضمّنها الجندي تاريخه.
وكان مؤرّخنا الشهيد المطاع قد استعمل مشرط النقد والتمحيص ، في كل مجالات التاريخ اليمني ، ولعله أول من تنبّه لهفوات المؤرخ عمارة ومبالغاته التاريخية التي كان لها الأثر السيىء على من جاء بعده ، ونسمعه يقول ـ حينما يذكر عمارة في تاريخه «المفيد» أن حسين بن سلامة بنى من صعدة إلى صنعاء في كل مرحلة جامعا ، إلى غير ذلك يقول «فيما ذكره عمارة مجازفة ظاهرة ، فإن البلاد في عصر الحسين بن سلامة كانت في أعاصير هو جاء وزوابع غير مريحة ، وعلى الخصوص بلاد الزيدية ، ولم يكن له نفوذ ظاهر عليها ، وهذه المباني تتطلب الهدو طبعا ، أضف إلى ذلك انا لم نجد في