كتب التاريخ التي بأيدينا ما يدل على حدوث ما ذكره عمارة فيما بين صنعاء وصعدة ، وبين زبيد وصنعاء ، ومن البعيد أن تزول آثار هذه المباني وتندرس من عرض البلاد وطولها ، ولا يذكرها أحد بحرف ، أو لا يعلمها إلّا عمارة ، وعنه ، نقل أكثر المؤرخين ، ولكن على اسلوبهم المعهود من مجانبة النّقد والتمحيص ، وتحكيم العقل».
بهذا المنهج الدّقيق سبر أغوار التاريخ ودسائس المؤرخين ومبالغاتهم ، وما أكثرها في التاريخ اليمني ، ولنا فيما أورده من الإنتقادات الكثير من النّصوص وقد توزّعت عبر تاريخه الكبير هذا في أكثر من موضع وحادثة ، وهو يرى أسباب تضارب الأقوال في الرّواية الواحدة إلى «اختلاف النقل ثم اختلاف كتب التاريخ ، وقد يكون المصنّف واحدا والتصنيف واحدا ويختلف ما يوجد بإحدى النسخ عن الأخرى».
ولعل من أسباب المبالغة والكذب في تتبع الأخبار ان بعض المؤرخين لم ينظروا إلى التاريخ النّظرة التي يستحقها من اهتمام وعناية ، وقد «دوّن القدماء كتب التاريخ للتّسلية وقتل الوقت ، وقد شبّهوا المؤرخ بحاطب ليل ، فجاءت غالب مدوّناتهم في هذا الفن كثيرة الأغلاط ، ركيكة الأسلوب ، طافحة بالمبالغة مملوءة بالمزاعم والخرافات لا تسقط منها على حقيقة إلّا بعد إدماء الجفون ، وتقريح المحاجر ، وتقليب مئات الصّفحات وعشرات المجلّدات ، وقد تخرج بعد العنا الشديد مضطرب الفكر حيرانا».
هذا ما أدركه مؤلفنا بعد معايشته التّامة لمصادر التاريخ وصعوباتها ، ومن ثم لم يكتب تاريخه لسرد الأحداث وحدها ، وإنما جعله نقدا عاما لرواية التاريخ اليمني التي وصلتنا من خلال مصادره ، يقول بعد نقل عبارة للخزرجي في العسجد المسبوك وأخرى ليحيى بن الحسين في أنباء الزمن :
«وفيهما من الإضطراب ما لا يخفى وسيمر بك التفصيل لبقية الحوادث ومنها تعلم انهما أرادا أن يختصرا فخلّط عليهما».