الشّرفين وهو محاصر ، وقد عزم على المغامرة والمخاطرة لسحق الجند المحاصر له يقول : «واستمر الحال على ذلك خمسة أشهر بعد عزم المكرم ، وبعدها رأى الأمير ذو الشرفين أن المآل سيىء وأن العاقبة وبيلة ، لما رأى من نفاذ ما عنده من المأكول والمشروب ، فعمد إلى محبرته ، وكتب وصيته الأخيرة ، وآل على نفسه أن يبذلها في سبيل قتال الظالمين ، ثم شحذ عزم أصحابه وحمّسهم وانحدر وقد وزّع أصحابه طوائف ، وصبّح الجند المحاصر ، والنوم ملابس جفونهم ، فأوقع بهم وأثخن فيهم قتلا وغنيمة ، وانقلب إلى المعقل بالغنائم الوفيرة ، ونفائس الأسلاب الطريفة ، وتناول قلمه وكتب هذه القصيدة :
ألا قل لربات الخدور الكواعب |
|
يقبلن أيدينا وحد القواضب |
الخ».
وهكذا يستمر في السرد ، فلا تحسّ بنفسك إلّا وأنت تتابع أحداث قصة مشوقة زيّنها أسلوب كاتبنا الرّصين وطريقته البلاغية المتماسكة تجذبك إليها وتضطرك إلى متابعة الحدث.
وخذ أيضا هذه القطعة الأدبية من تعبير أديبنا :
«والتقى الجمعان فاقتتلا أياما وثبت الفريقان يخطّان بدم القتلى صحيفة سوداء من أعجب ما سجّله طغيان القوة في صحائف التاريخ».
ويقول في موضع آخر بعد إقدام جياش على قتل الغز الواصلين إلى اليمن باستدعاء منه «فهلك أكثرهم ولم يخلص إلى زبيد منهم إلّا دون الألف فلم يطمئن فؤاد ذلك الأمير وظلّ شبح الخوف منهم سمير أحلامه وهو اجس أمانيه رغما عن قلّتهم وأبت نوازع نفسه إلّا جعل تلك الأرواح ضحايا طغيانه فجهز» الخ.
وإليك نصّا آخر تستبين منه مقدرة الرجل على التعبير وملكته في الإنشاء