يقف عند غاية الأوهام بما خلفها ، وساقته الفطرة إلى استكشاف ما وراءها ، فلا غرو أن اصبح علم التاريخ من مشتهيات النفوس وأغراضها ، وشؤون الحياة ولوازمها.
وإذا كان من طبع الإنسان وغريزته الحنين إلى الفائت المندثر ، والالتفات إلى أطلال الأحبة ، والوقوف بآثارهم الدوارس ، والاعتزاز بتقاليده وماضيه ومجده وتاريخه ، وما كان لأجداده من سجايا ومفاخر ، وعادات ومآثر.
فأخلق بأبناء من ملكوا الخافقين ، وبسطوا سلطانهم على العالمين ، أن يعتزوا بتاريخهم ، ويفاخروا بماضيهم ، ويكاثروا بنوابغهم وأبطالهم الذين تساقطت تحت أقدامهم عروش الفاتحين ، وملكوا الأمور على من كان يملكها في أطراف الأرضين.
وأن يقفوا وقفات كبرى لا كلوث أزار أو كحل عقال ، بل وقوف جميل في عراص بثنية ، أو وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه ، بآثار أسلافهم الغر حيث كانوا يتناغمون ويتسامرون وينثرون طرائف الحكمة وروائع الكلم ، بان يعرجوا بأطلال ماضيهم المجيد لينظروا أبدع ثمرة تركها الإنسان ، وأجمل نتاج للعبقرية والنبوغ ، وأسمى حضارة عرفها التاريخ.
وبهذا الالتفات وذلك الوقوف ما يوقظ الهمم ، ويهيب بالأبناء إلى متابعة الآباء ، وبشوارد الأنفس إلى سواء السبيل ، ليقرنوا شرفهم التليد بمجدهم الطريف كما قيل : (١)
إنا وإن كرمت أوائلنا |
|
لسنا على الأحساب نتكل |
نبني كما كانت أوائلنا |
|
تبني ونفعل فوق ما فعلوا |
__________________
(١) الحكمة : العدد ٢ ، المجلد الثاني ، السنة الثانية ، جمادى الأولى ١٣٥٩ ه (يونية / يولية ، ١٩٤٠ م) ، ص ٢٠٤ ـ ٢١٠.