إلى الميدان ، وعمل للميدان أبوابا لكل باب اسم ، وهي باب الميدان ، ومنه كان يدخل ويخرج معظم الجيش ، وباب الصوالجة ، وباب الخاصة ، ولا يدخل منه إلا خاصة ابن طولون ، وباب الجبل لأنه مما يلي جبل المقطم ، وباب الحرم ، ولا يدخل منه إلا خادم خصيّ أو حرمة ، وباب الدرمون لأنه كان يجلس عنه حاجب أسود عظيم الخلقة يتقلد جنايات الغلمان السودان الرجالة فقط يقال له : الدرمون ، وباب دعناج لأنه كان يجلس عنده حاجب يقال له : دعناج ، وباب الساج لأنه عمل من خشب الساج ، وباب الصلاة لأنه كان في الشارع الأعظم ، ومنه يتوصل إلى جامع ابن طولون ، وعرف هذا الباب أيضا بباب السباع ، لأنه كان عليه صورة سبعين من جبس ، وكان الطريق الذي يخرج منه ابن طولون ، وهو الذي يعرج منه إلى القصر طريقا واسعا فقطعه بحائط وعمل فيه ثلاثة أبواب كأكبر ما يكون من الأبواب ، وكانت متصلة بعضها ببعض واحدا بجانب الآخر.
وكان ابن طولون إذا ركب يخرج معه عسكر متكاثف الخروج على ترتيب حسن بغير زحمة ، ثم يخرج ابن طولون من الباب الأوسط من الأبواب الثلاثة بمفرده من غير أن يختلط به أحد من الناس ، وكانت الأبواب المذكورة تفتح كلها في يوم العيد ، أو يوم عرض الجيش ، أو يوم صدقة ، وما عدا هذه الأيام لا تفتح إلا بترتيب في أوقات معروفة ، وكان القصر له مجلس يشرف منه ابن طولون يوم العرض ، ويوم الصدقة لينظر من أعلاه من يدخل ويخرج ، وكان الناس يدخلون من باب الصوالجة ، ويخرجون من باب السباع ، وكان على باب السباع مجلس يشرف منه ابن طولون ليلة العيد على القطائع ليرى حركات الغلمان ، وتأهبهم وتصرّفهم في حوائجهم ، فإذا رأى في حال أحد منهم نقصا أو خللا ، أمر له بما يتسع به ، ويزيد في تجمله ، وكان يشرف منه أيضا على البحر ، وعلى باب مدينة الفسطاط ، وما يلي ذلك.
فكان منتزها حسنا ، وبنى الجامع ، فعرف بالجامع الجديد ، وبنى العين والسقاية بالمغافر ، وبنى تنور فرعون فوق الجبل ، واتسعت أحواله وكثرت اصطبلاته وكراعه ، وعظم صيته ، فخافه ماجور ، وكتب فيه إلى الحضرة يغري به ، وكتب فيه ابن المدبر وشقير الخادم ، وكانت لابن طولون أعين ، وأصحاب أخبار يطالعونه بسائر ما يحدث ، فلما بلغه ذلك تلطف أصحاب الأخبار له ببغداد عند الوزير ، حتى سير إلى ابن طولون بكتب ابن المدبر ، وكتب شقير من غير أن يعلما بذلك ، فإذا فيها : أنّ أحمد بن طولون عزم على التغلب على مصر والعصيان بها ، فكتم خبر الكتب وما زال بشقير حتى مات وكتب إلى الحضرة يسأل صرف ابن المدبر عن الخراج ، وتقليد هلال فأجيب إلى ذلك ، وقبض على ابن المدبر وحبسه.