يجتمع معها فيه ، فإذا نام خمارويه جاء زريق ليحرسه ، فإن كان قد نام على سرير ربض بين يدي السرير ، وجعل يراعيه ، ما دام نائما ، وإن كان إنما نام على الأرض بقي قريبا منه ، وتفطن لمن يدخل ، ويقصد خمارويه لا يغفل عن ذلك لحظة واحدة ، وكان على ذلك دهره قد ألف ذلك ، ودرب عليه ، وكان في عنقه طوق من ذهب ، فلا يقدر أحد من أن يدنو من خمارويه ما دام نائما لمراعاة زريق له ، وحراسته إياه حتى إذا شاء الله إنفاذ قضائه في خمارويه كان بدمشق ، وزريق غائب عنه بمصر ، ليعلم أنه لا يغني حذر من قدر ، وبنى أيضا دار الحرم ، ونقل إليها أمهات أولاد أبيه ، مع أولادهنّ ، وجعل معهنّ المعزولات من أمهات أولاده ، وأفرد لكل واحدة حجرة واسعة نزل في كل حجرة منها بعد زوال دولتهم قائد جليل فوسعته ، وفضل عنه منها شيء ، وأقام لكل حجرة من الأنزال والوظائف الواسعة ، ما كان يفضل عن أهلها منه شيء كثير ، فكان الخدم الموكلون بالحرم من الطباخين ، وغيرهم يفضل لكل منهم مع كثرة عددهم بعد التوسع في قوته الزلة (١) الكبيرة ، والتي فيها العدّة من الدجاج ، فمنها ما قلع فخذها ، ومنها ما قد تشعب صدرها ، ومن الفراخ مثل ذلك مع القطع الكبار من الجدي ولحوم الضأن ، والعدّة من ألوان عديدة ، والقطع الصالحة من الفالوذج ، والكثير من اللوزينج ، والقطائف والهرائس من العصيدة التي تعرف اليوم في وقتنا هذا بالمامونية ، وأشباه ذلك مع الأرغفة الكبار ، واشتهر بمصر بيعهم لذلك ، وعرفوا به ، فكان الناس يتناوبونهم لذلك ، وأكثر ما تباع الزلة الكبيرة منها بدرهمين ، ومنها ما يباع بدرهم ، فكان كثير من الناس يتفكهون من هذه الزلات ، وكان شيئا موجودا في كل وقت لكثرته ، واتساعه بحيث إنّ الرجل إذا طرقه ضيف ، خرج من فوره إلى باب دار الحرم ، فيجد ما يشتريه ليتجمل به لضيفه ، مما لا يقدر على عمل مثله ، ولا يتهيأ له من اللحوم ، والفراخ والدجاج والحلوى مثل ذلك.
واتسعت أيضا اصطبلات خمارويه ، فعمل لكل صنف من الدواب اصطبلا مفردا ، لكان للخيل الخاص اصطبل مفرد ولدواب الغلمان اصطبلات عدّة ، ولبغال القباب اصطبلات ، ولبغال النقل غير بغال القباب اصطبلات ، وللنجائب والبخاتي (٢) اصطبلات لكل صنف اصطبل مفرد للاتساع في المواضع والتفنن في الأثقال ، وعمل للنمور دارا مفردة ، وللفهود دارا مفردة ، وللفيلة دارا ، وللزرافات دارا ، كل ذلك سوى الاصطبلات التي بالجيزة ، فإنه كان له عدّة ضياع من الجيزة اصطبلات مثل : نهيا ، ووسيم ، وسفط ، وطهرمس ، وغيرها ، وكانت هذه الضياع لا تزرع إلا القرط برسم الدواب ، وكان للخليفة أيضا بمصر اصطبلات سوى ما ذكر تنتج فيها الخيل : لحلبة السباق ، وللرباط في سبيل الله تعالى برسم الغزو ، وكان لكل دار من الدور المذكورة ، ولكل اصطبل وكلاء لهم الرزق
__________________
(١) الزلة : البساط الذي تحمل عليه المائدة.
(٢) البخاتي : الإبل الخراسانية.