السنيّ والوظائف الكثيرة والأموال المتسعة ، وبلغ رزق الجيش في أيام خمارويه تسعمائة ألف دينار في كل سنة ، وقام مطبخه المعروف بمطبخ العامة بثلاثة وعشرين ألف دينار في كل شهر ، سوى ما هو موظف لجواريه وأرزاق من يخدمهنّ ويتصرّف في حوائجهنّ.
وكان قد اتخذ لنفسه من ولد الحوف وشناترة الضياع قوما معروفين بالشجاعة ، والبأس لهم خلق عظيم تامّ ، وعظم أجسام ، وأدرّ عليهم الأرزاق ، ووسع لهم في العطاء ، وشغلهم عما كانوا فيه من قطع الطريق ، وأذية الناس بخدمته ، وألبسهم الأقبية ، وجواشن الديباج ، وصاغ لهم المناطق العراض الثقال ، وقلّدهم السيوف المحلاة يضعونها على أكتافهم ، فإذا مشوا بين يديه ، وموكبه على ترتيبه ، ومضت أصناف العسكر وطوائفه تلاهم السودان ، وعدّتهم ألف أسود لهم درق من حديد ، محكم الصنعة ، وعليهم أقبية سود ، وعمائم سود ، فيخالهم الناظر إليهم بحرا أسود يسير ، لسواد ألوانهم ، وسواد قيابهم ، ويصير لبريق درقهم وحلي سيوفهم والبيض التي تلمع على رؤوسهم من تحت العمائم زيّ بهج ، فإذا مضى السودان قدم خمارويه ، وقد انفرد عن موكبه ، وصار بينه وبين الموكب نحو نصف غلوة سهم والمختارة تحف به ، وكان تامّ الظهر ، ويركب فرسا تامّا ، فيصير كالكوكب إذا أقبل لا يخفى على أحد ، كأنه قطعة جبل في وسط المختارة ، وكان مهابا ذا سطوة ، وقد وقع في قلوب الكافة أنه متى أشار إليه أحد بإصبعه ، أو تكلم أو قرب من ، لحقه مكروه عظيم ، فكان إذا أقبل كما ذكرنا لا يسمع من أحد كلمة ، ولا سعلة ولا عطسة ، ولا نحنحة البتة ، كأنما على رؤوسهم الطير ، وكان يتقلد في يوم العيد سيفا بحمائل ، ولا يزال يتفرّج ويتنزه ويخرج إلى مواضع لم يكن أبوه يهش إليها ، كالأهرام ، ومدينة العقاب ، ونحو ذلك لأجل الصيد ، فإنه كان مشغوفا به لا يكاد يسمع بسبع ، إلا قصده ، ومعه رجال عليهم لبود ، فيدخلون إلى الأسد ويتناولونه بأيديهم من غابه عنوة ، وهو سليم فيضعونه في أقفاص من خشب محكمة الصنعة يسع الواحد منها السبع ، وهو قائم فإذا قدم خمارويه من الصيد سار القفص ، وفيه السبع بين يديه ، وكانت حلبة السباق في أيامهم تقوم مقام الأعياد ، لكثرة الزينة وركوب سائر الغلمان ، والعساكر على كثرتهم بالسلاح التام ، والعدد الكاملة ، فيجلس الناس لمشاهدة ذلك ، كما يجلسون في الأعياد وتطلق الخيل من غايتها ، فتمرّ متفاوتة يقدم بعضها بعضا حتى يتم السبق.
قال القضاعيّ : المنظر بناه أحمد بن طولون في ولايته لعرض الخيل ، وكان عرض الخيل من عجائب الإسلام الأربعة التي منها هذا العرض ، ورمضان بمكة ، والعيد كان بطرسوس ، والجمعة ببغداد ، فبقي من هذه الأربعة ، شهر رمضان بمكة ، والجمعة ببغداد ، وذهبت اثنتان ، قال كاتبه : وقد ذهبت الجمعة ببغداد أيضا بعد القضاعيّ ، بقتل هولاكو للخليفة المستعصم ، وزوال شعائر الإسلام من العراق ، وبقيت مكة شرّفها الله تعالى ، وليس في شهر رمضان الآن بها ما يقال فيه أنه من عجائب الإسلام ، ولما تكامل عزّ خمارويه ،