القعدة ، وقد بنيت لهم دكة عالية ، فضربوا وألقوا من أعلاها ، ثم بعث بلؤلؤ في جيش إلى الشام ، فخالف على أحمد ، ومال مع الموفق ، وصار إليه ، فخرج أحمد ، واستخلف ابنه خمارويه في صفر سنة تسع وستين ، فنزل دمشق ، ومعه ابنه العباس مقيدا ، فخالف عليه أهل طرسوس ، فخرج يريد محاربتهم ثم توقف لورود كتاب المعتمد عليه ، أنه قادم عليه ليلتجئ إليه ، فخرج كالمتصيد من بغداد ، وتوجه نحو الرقة ، فبلغ أبا أحمد الموفق مسيره ، وهو محارب لصاحب الزنج ، فعمل عليه حتى عاد إلى سامراء ، ووكل به جماعة ، وعقد لإسحاق بن كنداخ الخزريّ على مصر ، فبلغ ذلك ابن طولون ، فرجع إلى دمشق ، وأحضر القضاة والفقهاء من الأعمال ، وكتب إلى مصر كتابا قرئ على الناس بأنّ : أبا أحمد الموفق نكث بيعة المعتمد ، وأسره في دار أحمد بن الخصيب ، وإنّ المعتمد قد صار من ذلك إلى ما لا يجوز ذكره ، وإنه بكى بكاء شديدا ، فلما خطب الخطيب يوم الجمعة ، ذكر ما نيل من المعتمد ، وقال : اللهم فاكفه من حصره وظلمه ، وخرج من مصر بكار بن قتيبة (١) ، وجماعة إلى دمشق ، وقد حضر أهل الشامات والثغور ، فأمر ابن طولون بكتاب فيه : خلع الموفق من ولاية العهد ، لمخالفة المعتمد ، وحصره إياه ، وكتب فيه : إنّ أبا أحمد الموفق خلع الطاعة ، وبرىء من الذمّة ، فوجب جهاده على الأمّة ، وشهد على ذلك جميع من حضر إلّا بكار بن قتيبة وآخرين.
وقال بكار : لم يصح عندي ما فعله أبو أحمد ، ولم أعلمه ، وامتنع من الشهادة والخلع ، وكان ذلك لإحدى عشرة خلت من ذي القعدة ، فبلغ ذلك الموفق ، فكتب إلى عماله : بلعن أحمد بن طولون على المنابر ، فلعن عليه بما صيغته : اللهم العنه لعنا يفلّ حدّه ، ويتعس جدّه ، واجعله مثلا للغابرين إنك لا تصلح عمل المفسدين ، ومضى أحمد إلى طرسوس ، فنازلها ، وكان البرد شديدا ، ثم رحل عنها إلى أذنة (٢) ، وسار إلى المصيصة (٣) ، فنزلت به علة الموت ، فأعدّ السير يريد مصر ، حتى بلغ الفرما ، فركب النيل إلى الفسطاط ، فدخل لعشر بقين من جمادى الآخرى سنة سبعين ، فأوقف بكار بن قتيبة ، وبعث به إلى السجن ، وتزايدت به العلة ، حتى مات ليلة الأحد لعشر خلون من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين ، فلما بلغ المعتمد موته اشتدّ وجده وجزعه عليه ، وقال يرثيه :
إلى الله أشكو أسى |
|
عراني كوقع الأسل |
__________________
(١) ولي القضاء بمصر للمتوكل العباس سنة ٢٤٦ ه. ولد سنة ١٨٢ ه وسجنه أحمد بن طولون لامتناعه عن خلع الموفق توفي سنة ٢٧٠ ه. الأعلام ج ٢ / ٦٠.
(٢) أذنة : بلد من الثغور قرب المصيصة بينها وبين فيد عشرين ميلا بنيت سنة ١٤١ ه. معجم البلدان ج ١ / ١٣٣.
(٣) المصيصة : مدينة على شاطىء جيحان من ثغور الشام قرب طرسوس. معجم البلدان ج ٥ / ١٤٥.