فأمر بالدعاء لأبي أحمد الموفق ، وترك الدعاء عليه ، وجعل على المظالم بمصر : محمد بن عبدة بن حرب ، وبلغه مسير محمد بن أبي الساج إلى أعماله ، فخرج إليه في ذي القعدة ، ولقيه شيبة العقاب من دمشق ، فانهزم أصحاب خمارويه وثبت هو ، فحاربه حتى هزمه أقبح هزيمة ، وعاد إلى مصر فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين ، ثم خرج إلى الإسكندرية لأربع خلون من شوّال ، وورد الخبر أنه دعي له بطرسوس في جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين ، وخرج إلى الشام لسبع عشرة من ذي القعدة ، ومات الموفق في سنة ثمان وسبعين ، ثم مات المعتمد في رجب سنة تسع وسبعين ، وبويع المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق ، فبعث إليه خمارويه بالهدايا ، وقدم من الشام لست خلون من ربيع الأوّل سنة ثمانين ، فورد كتاب المعتضد بولاية خمارويه على مصر هو وولده ثلاثين سنة ، من الفرات إلى برقة ، وجعل له الصلاة والخراج والقضاء وجميع الأعمال ، على أن يحمل في كل عام مائتي ألف دينار عما مضى ، وثلثمائة ألف للمستقبل ، ثم قدم رسول المعتضد بالخلع ، وهي اثنتا عشرة خلعة وسيف وتاج ووشاح مع خادم في رمضان ، وعقد المعتضد نكاح قطر الندى بنت خمارويه في سنة إحدى وثمانين ، وفيها خرج خمارويه إلى نزهته ببربوط في شعبان ، ومضى إلى الصعيد فبلغ سيوط ، ثم رجع من الشرق إلى الفسطاط أوّل ذي القعدة ، وخرج إلى الشام لثمان خلون من شعبان سنة اثنتين وثمانين ، فأقام بمنية الأصبغ ، ومنية مطر ، ثم رحل حتى أتى دمشق ، فقتل بها على فراشه ، ذبحه جواريه وخدمه ، وحمل في صندوق إلى مصر ، وكان لدخول تابوته يوم عظيم ، واستقبله جواريه ، وجواري غلمانه ، ونساء قوّاده ، ونساء القطائع بالصياح ، وما يصنع في المآتم ، وخرج الغلمان ، وقد حلوا أقبيتهم ، وفيهم من سوّد ثيابه وشققها ، وكانت في البلد ضجة عظيمة ، وصرخة تتعتع القلوب حتى دفن ، وكانت مدّته اثنتي عشرة سنة ، وثمانية عشر يوما.
ثم ولي أبو العساكر بن خمارويه (١) بن أحمد بن طولون لليلة بقيت من ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين ومائتين بدمشق ، فسار إلى مصر ، واشتمل على أمور أنكرت عليه ، فاستوحش من عظماء الجند وتنكر لهم ، فخافوه ودأبوا في الفساد ، فخرج منتزها إلى منية الأصبغ ، ففرّ جماعة من عظماء الدولة إلى المعتضد ، وخلعه أحمد بن طغان ، وكان على الثغر ، وخلعه طغج بن جف بدمشق ، فوثب جيش على عمه مضر بن أحمد بن طولون فقتله ، فوثب عليه الجيش ، وخلعوه وجمعوا الفقهاء والقضاة ، فتبرّأ من بيعته وحللهم منها ، وكان خلعه لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ، فولي ستة أشهر واثني عشر يوما ، ومات في السجن بعد أيام.
__________________
(١) أمير مصر والشام وليهما بعد مقتل أبيه في دمشق سنة ٢٨٢ وكان معه فعاد إلى مصر وغلب عليه اللهو وتقريب الأوباش فخلع وحبس ثم قتل سنة ٢٨٣ ه. الأعلام ج ٢ / ١٤٩.