مدّة اثنتين وثلاثين يوما إلى أن قدم رسول أحمد بن كيغلغ بولايته الثانية من قبل القاهر بالله لتسع خلون من شوّال ، واستخلف أبا الفتح بن عيسى النوشريّ ، فشغب الجند في أرزاقهم على المادرانيّ صاحب الخراج ، فاستتر منهم ، فأحرقوا دوره ودور أهله ، وكانت فتن قتل فيها جماعة إلى أن أتاهم محمد بن تكين من فلسطين لثلاث عشرة خلت من ربيع الأوّل سنة اثنتين وعشرين ، فأنكر المادرانيّ ولايته ، وتعصب له طائفة ، ودعي له بالإمارة ، وخرج قوم إلى الصعيد فيهم : ابن النوشريّ ، فأمّروه عليهم وهم على الدعاء لابن كيغلغ ، فنزل منية الأصبغ لثلاث خلون من رجب ، فلحق به كثير من أصحاب تكين ، ففرّ ابن تكين ليلا ، ودخل ابن كيغلغ المدينة لست خلون منه ، وكان مقام ابن تكين بالفسطاط مائة يوم واثني عشر يوما ، وخلع القاهر ، وبويع أبو العباس الراضي بالله ، فعاد ابن تكين ، وأظهر أنّ الراضي ولّاه فخرج إليه العسكر ، وحاربوه فيما بين بلبيس وفاقوس ، فانهزم وجيء به إلى المدينة ، فحمل إلى الصعيد ، فورد الخبر بأنّ محمد بن طفج سار إلى مصر بولاية الراضي له ، فبعث إليه ابن كيغلغ بجيش ليمنعوه من دخول الفرما ، فأقبلت مراكب ابن طغج إلى تنيس ، وسارت مقدّمته في البرّ ، وكانت بينهما حروب في تاسع عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين كانت لأصحاب ابن طفج ، وأقبلت مراكبه إلى الفسطاط سلخ شعبان ، وأقبل فعسكر ابن كيغلغ للنصف من رمضان ، ولاقاه لسبع بقين منه ، فسلم ابن كيغلغ إلى محمد بن طفج من غير قتال.
وولي : محمد بن طغج الثانية من قبل الراضي على الصلاة والخراج ، فدخل لست بقين من رمضان ، وقدم أبو الفتح الفضل (١) بن جعفر بن محمد بن فرات بالخلع لمحمد بن طغج ، وكانت حروب مع أصحاب ابن كيغلغ انهزموا منها إلى برقة ، وساروا إلى القائم بأمر الله محمد بن المهديّ بالمغرب ، فحرّضوه على أخذ مصر ، فجهز جيشا إلى مصر ، فبعث ابن طغج عسكره إلى الإسكندرية والصعيد ، ثم ورد الكتاب من بغداد بالزيارة في اسم الأمير محمد بن طغج ، فلقب الإخشيد ودعي له بذلك على المنبر في رمضان سنة سبع وعشرين ، وسار محمد (٢) بن رائق إلى الشامات ، ثم سار في المحرّم سنة ثمان وعشرين ، واستخلف أخاه الحسن بن طغج ، فنزل الفرما ، وابن رائق بالرملة ، فسفر بينهما الحسن بن طاهر بن يحيى العلويّ في الصلح ، حتى تمّ ، وعاد إلى الفسطاط مستهل جمادى الأولى ، ثم أقبل ابن رائق من دمشق في شعبان ، فسير إليه الإخشيد الجيوش ، ثم خرج لست عشرة خلت من شعبان ، والتقيا للنصف من رمضان بالعريش ، فكانت بينهما وقعة عظيمة انكسرت فيها
__________________
(١) وزير من الكتاب من أعيان الدولة العباسية كان وزيرا للمقتدر سنة ٣٢٠ ه ثم ولي خراج مصر والشام.
ولد سنة ٢٨٠ ه وتوفي سنة ٣٢٧ ه. الأعلام ج ٥ / ١٤٧.
(٢) من الدهاة الشجعان ولي شرطة بغداد إمارة واسط والبصرة ثم ولي إمرة الأمراء سنة ٤٢٤ ه ثم اشتغل بالشام وزحف ليأخذ مصر فقاتله الإخشيد وهزمه. قتل سنة ٣٣٠ ه. الأعلام ج ٦ / ١٢٣.