موضعها فيما بين النيل والخليج ، وفيها من الحمراء القصوى فوهة الخليج انحسر عنها ماء النيل قديما وعرف موضعها بالكوم الأحمر من أجل أنه كان يعمل فيها أقمنة الطوب ، فلما سأل الصاحب بهاء الدين بن حنا الملك الظاهر بيبرس في عمارة جامع بهذا المكان ليقوم مقام الجامع الذي كان بمنشأة الفاضل أجابه إلى ذلك ، وأنشأ الجامع بخط الكوم الأحمر كما ذكر في خبره عند ذكر الجوامع ، فأنشأ هناك الأمير سيف الدين بلبان المهرانيّ دارا وسكنها ، وبنى مسجدا ، فعرفت هذه الخطة به ، وقيل لها : منشأة المهرانيّ ، فإنّ المهرانيّ المذكور أوّل من ابتنى فيها بعد بناء الجامع ، وتتابع الناس في البناء بمنشأة المهرانيّ وأكثروا من العمائر حتى يقال : إنه كان بها فوق الأربعين من أمراء الدولة سوى من كان هناك من الوزراء ، وأماثل الكتاب ، وأعيان القضاة ، ووجوه الناس ، ولم تزل على ذلك حتى انحسر الماء عن الجهة الشرقية فخربت ، وبها الآن بقية يسيرة من الدور ، ويتصل بخط الجامع الجديد خط دار النحاس ، وهو مطلّ على النيل ، ودار النحاس هذه من الدور القديمة ، وقد دثرت ، وصار الخط : يعرف بها.
قال القضاعيّ : دار النحاس اختطها : وردان مولى عمرو بن العاص ، فكتب مسلمة بن مخلد ، وهو أمير مصر إلى معاوية يسأله أن يجعلها ديوانا ، فكتب معاوية إلى وردان يسأله فيها ، وعوّضه فيها دار وردان التي بسوقه الآن ، وقال ربيعة : كانت هذه الدار من خطة الحجر من الأزد ، فاشتراها عمر بن مروان ، وبناها ، فكانت في يد ولده ، وقبضت عنهم وبيعت في الصوافي سنة ثمان وثلثمائة ، ثم صارت إلى شمول الإخشيديّ ، فبناها قيسارية وحماما ، فصارت دار النحاس قيسارية شمول.
وقال ابن المتوّج : دار النحاس خط نسب لدار النحاس ، وهو الآن فندق الأشراف ذو البابين أحدهما من رحبة أمامه ، والثاني شارع بالساحل القديم ، وبآخر هذه الشقة التي تطل على النيل (جسر الأفرم) ، وهو في طرف مصر فيما بين المدرسة المعزية ، وبين رباط الآثار كان مطلا على النيل دائما ، والآن ينحسر الماء عنه عند هبوط النيل ، وعرف بالأمير عز الدين أيدمر الأفرم الصالحيّ النجميّ أمير جندار ، وذلك أنه لما استأجر بركة الشعيبية ، كما ذكر عند ذكر البرك من هذا الكتاب جعل منها فدّانين من غربيها أذن للناس في تحكيرها ، فحكرت وبنى عليها عدّة دور بلغت الغاية في إتقان العمارة ، وتنافس عظماء دولة الناصر محمد بن قلاون من الوزراء ، وأعيان الكتاب في المساكن بهذا الجسر ، وبنوا وتأنقوا ، وتفننوا في بدع الزخرفة ، وبالغوا في تحسين الرخام ، وخرجوا عن الحدّ في كثرة إنفاق الأموال العظيمة على ذلك بحيث صار خط الجسر خلاصة العامر من إقليم مصر ، وسكانه أرق الناس عيشا ، وأترف المتنعمين حياة ، وأوفرهم نعمة ، ثم خرب هذا الجسر بأسره ، وذهبت دوره.