وثلثمائة ، فأنفقها أجمع على العساكر التي سيرها إلى مصر من سنة ثمان وخمسين إلى سنة اثنتين وستين وثلثمائة.
ولما أخذ في تجهيز جوهر بالعساكر إلى أخذ ديار مصر ، حتى تهيأ أمره ، وبرز للمسير ، بعث المعز خفيفا الصقلبيّ إلى شيوخ كتامة يقول : يا إخواننا قد رأينا أن ننفذ رجالا إلى بلدان كتامة يقيمون بينهم ، ويأخذون صدقاتهم ، ومراعيهم ويحفظونها عليهم في بلادهم ، فإذا احتجنا إليها أنفذنا خلفها ، فاستعنا بها على ما نحن بسبيله ، فقال بعض شيوخهم لخفيف لما بلغه ذلك ، قل لمولانا والله لا فعلنا هذا أبدا ، كيف تؤدّي كتامة الجزية ، ويصير عليها في الديوان ضريبة ، وقد أعزها الله قديما بالإسلام ، وحديثا معكم بالإيمان وسيوفنا بطاعتكم في المشرق والمغرب ، فعاد خفيف إلى المعز بذلك ، فأمر بإحضار جماعة كتامة ، فدخلوا عليه ، وهو راكب فرسه ، فقال : ما هذا الجواب الذي صدر عنكم؟ فقالوا : هذا جواب جماعتنا ما كنا يا مولانا بالذي يؤدّي جزية تبقى علينا ، فقام المعز في ركابه ، وقال : بارك الله فيكم فهكذا أريد أن تكونوا ، وإنما أردت أن أختبركم ، فانظر كيف أنتم بعدي ، فسار جوهر ، وأخذ مصر ، كما قد ذكر في ترجمته عند ذكر سور القاهرة من هذا الكتاب.
فلما ثبتت قدم جوهر بمصر كتب إليه المعز جوابا عن كتابه ، وأما ما ذكرت يا جوهر ، من أن جماعة بني حمدان وصلت إليك كتبهم يبذلون الطاعة ، ويعدون بالمسارعة في المسير إليك ، فاسمع لما أذكره لك ، احذر أن تبتدىء أحدا من آل حمدان بمكاتبة ترهيبا له ، ولا ترغيبا ، ومن كتب إليك كتابا منهم ، فأجبه بالحسن الجميل ، ولا تستدعه إليك ، ومن ورد إليك منهم ، فأحسن إليه ، ولا تمكن أحدا منهم من قيادة جيش ، ولا ملك طرف ، فبنو حمدان يتظاهرون بثلاثة أشياء عليها مدار العالم ، وليس لهم فيها نصيب ، يتظاهرون بالدين ، وليس لهم فيه نصيب ، ويتظاهرون بالكرم ، وليس لواحد منهم كرم في الله ، ويتظاهرون بالشجاعة ، وشجاعتهم للدنيا لا للآخرة ، فاحذر كل الحذر من الاستناد إلى أحد منهم.
ولما عزم المعز على المسير إلى مصر أجال فكره ، فيمن يخلفه في بلاد المغرب ، فوقع اختياره على جعفر بن عليّ الأمير ، فاستدعاه ، وأسرّ إليه أنه يريد استخلافه بالمغرب ، فقال : تترك معي أحد أولادك أو إخوتك يجلس في القصر ، وأنا أدبر ، ولا تسألني عن شيء من الأموال ، لأنّ ما أجيبه يكون بإزاء ما أنفقه من الأموال ، وإذا أردت أمرا فعلته من غير أن أنتظر ورود أمرك فيه لبعد ما بين مصر والمغرب ، ويكون تقليد القضاء والخراج وغيره إليّ ، فغضب المعز ، وقال : يا جعفر عزلتني عن ملكي؟ وأردت أن تجعل لي فيه شريكا في أمري؟ واستبددت بالأعمال والأموال دوني؟ قم فقد أخطأت حظك ، وما أصبت رشدك ، فخرج عنه.