فلما مات والفتنة قائمة أقيم ابنه : الظاهر بأمر الله أبو منصور إسماعيل ، ومولده للنصف من ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، فأقام في الخلافة أربع سنين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام ، وكان محكوما عليه من الوزارة ، وفي أيامه أخذت عسقلان ، فظهر الخلل في الدولة ، وقد ذكرت أخباره في خط الخشيبة عند ذكر الخطط من هذا الكتاب.
فلما قتل أقيم من بعده ابنه : الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى ، أقامه في الخلافة بعد مقتل أبيه الوزير عباس ، وعمره خمس سنين ، فقدم طلائع بن رزيك (١) والي الأشمونين بجموعه إلى القاهرة ، ففرّ عباس ، واستولى طلائع على الوزارة ، وتلقب بالصالح ، وقام بأمر الدولة إلى أن مات الفائز لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين عن إحدى عشرة سنة ، وستة أشهر ويومين منها في الخلافة ست وستين وخمسة أشهر وأيام ، لم ير فيها خيرا فإنه لما أخرج ليقام خليفة رأى أعمامه قتلى ، وسمع الصراخ ، فاختلّ عقله ، وصار يصرخ حتى مات.
فأقام الصالح بن رزيك في الخلافة بعده : العاضد لدين الله أبا محمد عبد الله بن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله ، ومولده لعشر بقين من المحرّم سنة ست وأربعين وخمسمائة ، وكان عمره يوم بويع نحو إحدى عشرة سنة ، وقام الصالح بتدبير الأمور إلى أن قتل في رمضان سنة ست وخمسين كما ذكر في خبره عند ذكر الجوامع ، فقام من بعده ابنه رزيك بن طلائع ، وحسنت سيرته ، فعزل شاور بن مجير السعديّ عن ولاية قوص ، فلم يقبل العزل ، وحشد وسار على طريق الواحات في البرية إلى تروجة ، فجمع الناس ، وسار إلى القاهرة ، فلم يثبت رزيك ، وفرّ فقبض عليه بإطفيح ، واستقرّ شاور في الوزارة لأيام خلت من صفر سنة ثمان وخمسين ، فأقام إلى أن ثار ضرغام صاحب الباب ، ففرّ منه إلى الشام ، واستبدّ ضرغام بالوزارة ، فقتل أمراء الدولة ، وأضعفها بسبب ذهاب أكابرها ، فقدم الفرنج ، ونازلوا مدينة بلبيس مدّة ، ودافعهم المسلمون عدّة مرار ، حتى عادوا إلى بلادهم بالساحل ، ورجع العسكر إلى القاهرة ، وقد قتل منهم كثير ، فوصل شاور بعساكر الشام في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين ، فحاربه ضرغام على بلبيس بعساكر مصر ، وكانت لهم منه معارك انهزموا في آخرها ، وغنم شاور ومن معه سائر ما خرجوا به ، وكان شيئا جليلا ، فسرّوا بذلك ، وساروا إلى القاهرة فكانت بين الفريقين حروب آلت إلى هزيمة ضرغام ، وقتله في شهر رمضان منها.
فاستولى شاور على الوزارة مرّة ثانية ، واختلف مع الغزاة القادمين معه من الشام ، وكانت له معهم حروب آلت إلى أن شاور كتب إلى مري ملك الفرنج يستدعيه إلى القاهرة
__________________
(١) الملقب بالملك الصالح وزير عصامي يعد من الملوك ولي الوزارة في مصر للخليفة الفائز الفاطمي سنة ٥٤٩ ه. قتل وهو خارج من مجلس العاضد سنة ٥٥٦ ه. الأعلام ج ٣ / ٢٢٨.