ليعينه على محاربة شيركوه ، ومن معه من الغز ، فحضر ، وقد صار شيركوه في مدينة بلبيس ، فخرج شاور من القاهرة ، ونزل هو ومري على بلبيس ، وحصرا شيركوه ثلاثة أشهر ، ثم وقع الصلح ، فسار شيركوه بالغز إلى الشام ، ورحل الفرنج ، وعاد شاور إلى القاهرة في سنة ستين وخمسمائة ، فلم يزل إلى أن قدم شيركوه من الشام بالعساكر مرّة ثانية في ربيع الآخر ، فخرج شاور من القاهرة إلى لقائه ، واستدعى مري ملك الفرنج ، فسار شيركوه على الشرق ، وخرج من إطفيح ، فسار إليه شاور بالفرنج ، وكانت له معه الوقعة المشهورة ، فسار شيركوه بعد الوقعة من الأشمونين ، وأخذ الإسكندرية بعد أن استخلف عليها ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب ، ولم يزل يسير من الإسكندرية إلى قوص ، وهو يجبي البلاد ، فخرج شاور من القاهرة بالفرنج ، ونازل الإسكندرية ، فبلغ شيركوه ذلك ، فعاد من قوص إلى القاهرة ، وحصرها.
ثم كانت أمور آخرها مسير شيركوه وأصحابه من أرض مصر إلى الشام في شوّال ، وقد طمع الفرنج في البلاد وتسلموا أسوار القاهرة ، وأقاموا فيها شحنة معه عدّة من الفرنج لمقاسمة المسلمين ما يتحصل من مال البلد ، وفحش أمر شاور ، وساءت سيرته ، وكثر تجرّيه على الدماء ، وإتلافه للأموال ، فلما كان في سنة أربع وستين قوي تمكن الفرنج في القاهرة ، وجاروا في حكمهم بها ، وركبوا المسلمين بأنواع الإهانة.
فسار مري يريد أخذ القاهرة ، ونزل على مدينة بلبيس ، وأخذها عنوة ، فكتب العاضد إلى نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام يستصرخه ، ويحثه على نجدة الإسلام ، وإنقاذ المسلمين من الفرنج ، فجهز أسد الدين شيركوه في عسكر كثير ، وجهزهم وسيرهم إلى مصر ، وقد أحرق شاور مدينة مصر ، كما تقدّم ونزل مري ملك الفرنج على القاهرة ، وألحّ في قتال أهلها حتى كاد أن يأخذها عنوة ، فسير إليها شاور وخادعه حتى رضي بمال يجمعه له ، فشرع في جبايته ، وإذا بالخبر ورد بقدوم شيركوه ، فرحل الفرنج عن القاهرة في سابع ربيع الآخر ، ونز شيركوه على القاهرة بالغز ثالث مرّة ، فخلع عليه العاضد ، وأكرمه ، فأخذ شاور يفتك بالغز على عادته ، فكان من قتله ما ذكر في موضعه ، وذلك في سابع عشر ربيع الآخر المذكور ، وتقلد شيركوه وزارة العاضد ، وقام بالدولة شهرين وخمسة أيام ، ومات في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ، ففوّض العاضد الوزارة لصلاح الدين يوسف بن أيوب ، فساس الأمور ، ودبر لنفسه ، فبذل الأموال ، وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال ، فلم يزل أمره في ازدياد.
وأمر العاضد في نقصان ، وصار يخطب من بعد العاضد للسلطان محمود نور الدين ، وأقطع أصحابه البلاد ، وأبعد أهل مصر ، وأضعفهم ، واستبدّ بالأمور ، ومنع العاضد من التصرّف حتى تبين للناس ما يريده من إزالة الدولة إلى أن كان من واقعة العبيد ما ذكرنا ،