عليها الخليفة والوزير ، ثم أكابر الدولة ، وهو بين الأستاذين المحنكين ، فيقدّم الفرّاشون له إلى المصطبة رأسا ، ويكون بيده حربة ، من رأسها الذي لا سنان فيه ويد قاضي القضاة في أصل سنانها ، فيجعله القاضي في نحر النحيرة ، ويطعن بها الخليفة ، وتجرّ من بين يديه ، حتى يأتي على العدّة المذكورة ، فأوّل نحيرة هي التي تقدّد ، وتسير إلى داعي اليمن ، وهو الملك فيه ، فيفرّقها على المعتقدين من وزن نصف درهم إلى ربع درهم ، ثم يعمل ثاني يوم كذلك فيكون عدد ما ينحر : سبعا وعشرين ، ثم يعمل في اليوم الثالث كذلك وعدّة ما ينحر ثلاث وعشرون.
هذا : وفي مدّة هذه الأيام الثلاثة يسير رسم الأضحية إلى أرباب الرتب والرسوم كما سيرت الغرّة في أوّل السنة من الدنانير بغير رباعية ، ولا قراريط على مثال الغرّة من عشرة دنانير إلى دينار ، وأما لحم الجزور ، فإنه يفرّق في أرباب الرسوم للتبرّك في أطباق مع أدوان الفرّاشين ، وأكثر ذلك تفرقة قاضي القضاة وداعي الدعاة للطلبة بدار العلم ، والمتصدّرين بجوامع القاهرة ، ونقباء المؤمنين بها من الشيعة للتبرّك ، فإذا انقضى ذلك خلع الخليفة على الوزير ثيابه الحمر التي كانت عليه ، ومنديلا آخر بغير السمة ، والعقد المنظوم من القصر عند عود الخليفة من المنحر ، فيركب الوزير من القصر بالخلع المذكورة شاقا القاهرة ، فإذا خرج من باب زويلة انعطف على يمينه سالكا على الخليج ، فيدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة ، وبذلك انفصال عيد النحر.
وقال ابن أبي طيّ : عدّة ما يذبح في هذا العيد في ثلاثة أيام النحر ، وفي يوم عيد الغدير : ألفان وخمسمائة وأحد وستون رأسا ، وتفصيله : نوق مائة وسبعة عشر رأسا ، بقر أربعة وعشرون رأسا ، جاموس عشرون رأسا ، هذا الذي ينحره الخليفة ، ويذبحه بيده في المصلى ، والمنحر ، وباب الساباط ، ويذبح الجزارون بين يديه من الكباش ألفا وأربعمائة رأس.
وقال ابن عبد الظاهر : كان الخليفة ينحر بالمنحر : مائة رأس ، ويعود إلى خزانة الكسوة فيغير قماشه ، ويتوجه إلى الميدان ، وهو الخرنشف (١) بباب الساباط للنحر والذبح ، ويعود بعد ذلك إلى الحمام ويغير ثيابه للجلوس على الأسمطة ، وعدّة ما يذبحه ألف وسبعمائة وستة وأربعون رأسا : مائة وثلاث عشر ناقة والباقي بقر وغنم.
قال ابن الطوير : وثمن الضحايا على ما تقرّر ما يقرب من ألفي دينار ، وكانت تخرج المخلقات إلى الأعمال بشائر بركوب الخليفة في يوم عيد النحر.
__________________
(١) الخرنشف : هو ما يتحجر مما يوقد به على مياه الحمامات من الأزبال وغيرها. وهذه الحارة كانت ميدانا للخلفاء وهي إحدى حارات القاهرة (مصطلحات محمد رمزي).