فمما كتب به الأستاذ البارع أبو القسم عليّ بن منجيب بن سليمان الكاتب المعروف: بابن الصيرفيّ المنعوت : بتاج الرياسة ، أما بعد : فالحمد لله الذي رفع منار الشرع ، وحفظ نظامه ونشر راية هذا الدين ، وأوجب إعظامه ، وأطلع بخلافة أمير المؤمنين كواكب سعوده ، وأظهر للمؤالف والمخالف عزة أحزابه وقوّة جنوده ، وجعل فرعه ساميا ناميا ، وأصله ثابتا راسخا ، وشرّفه على الأديان بأسرها وكان لعراها فاصما ولأحكامها ناسخا ، يحمده أمير المؤمنين أن الزم طاعته الخليقة ، وجعل كراماته الأسباب الجديرة بالإمارة الخليقة ، ويرغب إليه في الصلاة على جدّه محمد الذي حاز الفخار أجمعه ، وضمن الجنة لمن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه ، ورفعه إلى أعلى منزلة تخير له منها المحل ، وأرسله بالهدى ودين الحق ، فزهق الباطل ، وخمدت ناره واضمحل ، صلى الله عليه ، وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب خير الأمّة وإمامها ، وحبر الملة وبدر تمامها ، والموفي يومه في الطاعات على ماضي أمسه ، ومن أقامه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المباهلة مقام نفسه ، واختصه بأبعد غاية في سورة براءة ، فنادى في الحج بأوّلها ، ولم يكن غيره ينفذ نفاذه ولا يسدّ مكانه ، لأنه قال : «لا يبلغ عني إلّا رجل من أهل بيتي» عملا في ذلك بما أمر الله به سبحانه ، وعلى الأئمة من ذريتهما خلفاء الله في أرضه ، والقائمين في سياسة خلقه بصريح الإيمان ومحضه ، والمحكمين من أمر الدين ما لا وجه لحله ، ولا سبيل إلى نقضه ، وسلم عليهم أجمعين سلاما يتصل دوامه ، ولا يخشى انصرامه ، ومجد وكرّم ، وشرّف وعظم ، وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم الأحد عيد النحر من سنة ست وثلاثين وخمسمائة الذي تبلج فجره عن سيئات محصت ، ونفوس من آثار الذنوب خلصت ، ورحمة امتدّت ظلالها وانتشرت ومغفرة هنأت ونشرت ، وكان من خبر هذا اليوم : أن أمير المؤمنين برز لكافة من بحضرته من أوليائه ، متوجها لقضاء حق هذا العيد السعيد وأدائه ، في عترة راسخة قواعدها متمكنة ، وعساكر جمة تضيق عنها ظروف الأمكنة ، ومواكب تتوالى كتوالي السيل ، وتهاب هيبة مجيئه في الليل ، بأسلحة تحسر لها الأبصار وتبرق وترتاع الأفئدة منها وتفرق ، فمن مشرفيّ إذا ورد تورّد ، ومن سمهريّ إذا قصد تقصد ، ومن عمد إذا عمدت تبرّأت المغافر من ضمانها ، ومن قسيّ إذا أرسلت بنانها وصلت إلى القلوب بغير استئذانها ، ولم يزل سائرا في هدي الإمامة وأنوارها ، وسكينة الخلافة ووقارها ، إلى أن وصل إلى المصلى قدام المحراب ، وأدّى الصلاة إذ لم يكن بينه وبين التقبيل حجاب ، ثم علا المنبر فاستوى على ذروته ، ثم هلل الله وكبر ، وأثنى على عظمته وأحسن إلى الكافة بتبليغ موعظته ، وتوجه إلى ما أعدّ من البدن فنحره تكميلا لقربته ، وانتهى في ذلك إلى ما أمر الله عزوجل ، وعاد إلى قصوره المكرّمة ، ومنازله المقدّسة ، قد رضي الله عمله ، وشكر فعله وتقبله ، أعلمك أمير المؤمنين بذلك ، لتشكر الله على النعمة فيه ، وتذيعه قبلك على الرسم مما تجاريه ، فاعلم هذا ، واعمل به إن شاء الله تعالى.