صغرى ، أما الكبرى : فمن باب القصر إلى باب النصر مارّا إلى حوض عز الملك نبا ، ومسجده هناك ، وهو أقصاها ثم ينعطف على يساره طالبا باب الفتوح إلى القصر ، والأخرى إذا خرج من باب النصر سار حافا بالسور ، ودخل من باب الفتوح ، فيعلم الناس بسلوك إحداهما ، فيشيرون إذا ركب الخليفة فيها من غير تبديل للموكب ولا تشويش ، ولا اختلال ، فلا يصبح الصبح من يوم الركوب إلّا وقد اجتمع من بالقاهرة ومصر من أرباب الرتب وأرباب التميزات من أرباب السيوف ، والأقلام قياما بين القصرين ، وكان براحا واسعا خاليا من البناء الذي فيه اليوم ، فيسع القوم لانتظار الخليفة ، ويبكر الأمراء إلى الوزير إلى داره ، فيركب إلى القصر من غير استدعاء لأنها خدمة لازمة للخليفة ، فيسير أمامه تشريفه المقدّم ذكره ، والأمراء بين يديه ركبانا ومشاة ، وأمامه أولاده وإخوته وكل منهم مرخي الذؤابة بلا حنك ، وهو في أبهة عظيمة من الثياب الفاخرة ، والمنديل ، وهو بالحنك ، ويتقلد بالسيف المذهب ، فإذا وصل القصر ترجل قبله أهله في أخص مكان لا يصل الأمراء إليه ، ودخل من باب القصر ، وهو راكب دون الحاضرين إلى دهليز يقال له دهليز العمود ، فيترجل على مصطبة هناك ، ويمشي بقية الدهليز إلى القاعة فيدخل مقطع الوزارة هو وأولاده وإخوته ، وخواص حاشيته ، ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدّة لذلك مكسوّة في الصيف بالحصر السامان ، وفي الشتاء بالبسط الجهرمية المحفورة ، فإذا أدخلت الدابة لركوب الخليفة وأسندت إلى الكرسيّ الذي يركب عليه من باب المجلس ، أخرجت المظلة إلى حاملها ، فيكشفها مما هي ملفوفة فيه غير مطوية ، فيتسلمها بإعانة أربعة من الصقالبة (١) برسم خدمتها ، فيركزها في آلة حديد متخذة شكل القرن وهو مشدود في ركاب حاملها الأيمن بقوّة وتأكيد ، فيمسك العمود بحاجز فوق يده ، فيبقى وهو منتصف واقف ولم يذكر قط أنها اضطربت في ريح عاصف ، ثم يخرج بالسيف ، فيتسلمه حامله فإذا تسلمه أرخيت ذؤابته ما دام حاملا له ، ثم تخرج الدواة ، فتسلم لحاملها ، وهو من الأستاذين المحنكين.
وكان الوزراء حملوها لقوم من الشهود المعدّلين ، وهي الدواة التي كانت من أعاجيب الزمان ، وهي في نفسها من الذهب ، وحليتها مرجان ، وهي ملفوفة في منديل شرب بياض مذهب ، وقد قال فيها بعض الشعر : يخاطب الخليفة التي صنعت حلية المرجان في وقته وهذا من أغرب ما يكون ذكر ذلك في بيتين وهما :
ألين لداود الحديد كرامة |
|
فقدّر منه السرد كيف يريد |
ولأن لك المرجان وهو حجارة |
|
ومقطعه صعب المرام شديد |
فيخرج الوزير ، ومن كان معه من المقطع ، وتنضم إليه الأمراء ، ويقفون إلى جانب
__________________
(١) الصقالبة أهم السلاق القاطنون في جبال أورال والبحر الأدرياتيكي في أوربة الشرقية ويطلق أيضا على جماعة من العبيد في الخدمة العسكرية. الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي / ١٧١.