المفخم وعاد من طريقه بعينها إلى إن يصل إلى قريب القصر ، فيتقدّمه الوزير كما شرحنا ، ثم يدخل من باب العيد ، فيجلس في الشباك ، وقد نصب منه إلى فسقية كانت في وسط الإيوان مقدار عشرين قصبة سماط من الخشكنان والبسندود والبرماورد (١) مثل الجبل الشاهق ، وفيه القطعة وزنها من ربع قنطار إلى رطل ، فيدخل ذلك الجمع إليه ، ويفطر منه من يفطر ، وينقل منه من ينقل ، ويباح ولا يحجر عليه ، ولا مانع دونه ، فيمرّ ذلك بأيدي الناس وليس هو مما يعتدّ به ولا يعبئ مما يفرّق للناس ، ويحمل إلى دورهم ، ويعمل في هذا اليوم سماط من الطعام في القاعة يحضر عليه الخليفة والوزير ، فإذا انقضى ذو القعدة ، وهلّ هلال ذي الحجة ، اهتمّ بركوب عيد النحر ، فيجري حاله كما جرى في عيد الفطر من الزي والركوب إلى المصلى ، ويكون لباس الخليفة فيه الأحمر الموشح ، ولا ينخرم منه شيء ، انتهى.
وصعد مرّة الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد المنبر يوم عيد ، فوقف الشريف ابن أنس الدولة بإزائه ، وقال مشيرا إلى الحاضرين :
خشوعا فإنّ الله هذا مقامه |
|
وهمسا فهذا وجهه وكلامه |
وهذا الذي في كل وقت بروزه |
|
تحياته من ربنا وسلامه |
فضرب الحافظ الجانب الأيسر من المنبر ، فرقي إليه زمام القصر ، فقال له : قل للشريف حسبك ، قضيب حاجتك ، ولم يدعه يقول شيئا آخر ، وكانت تكبت المخلقات بركوب أمير المؤمنين لصلاة العيد ، ويبعث بها إلى الأعمال.
فمما كتب به من إنشاء ابن الصيرفي : أمّا بعد ، فالحمد لله الذي رفع بأمير المؤمنين ، عماد الإيمان ، وثبت قواعده وأعز بخلافته معتقده ، وأذل بمعابته معانده ، وأظهر من نوره مان انبسط في الآفاق ، وزال معه الإظلام ، ونسخ به ما تقدّمه من الملل ، فقال : إنّ الدين عند الله الإسلام ، وجعل المعتصم بحبله مفضلا على من يفاخره ، ويباهيه وأوجب دخول الجنة ، وخلودها لمن عمل بأوامره ونواهيه ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي اصطفى له الدين وبعثه إلى الأقربين والأبعدين ، وأيده في الإرشاد حتى صار العاصي مطيعا ، ودخل الناس في التوحيد فرادى وجميعا ، وغدوا بعروته الوثقى متمسكين ، وأنزل عليه قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ، وما كان من المشركين ، وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إمام الأمّة ، وكاشف الغمة ، وأوجه الشفعاء لشيعته يوم العرض ، ومن الإخلاص في ولائه قيام بحق وأداء فرض ، وعلى الأئمة من ذريتهما سادة البرية ، والعادلين في القضية ، والعاملين بالسيرة المرضية ، وسلم وكرم ،
__________________
(١) البرماورد : طعام يسمى لقمة القاضي وفخذ الست ولقمة الخليفة وهو مصنوع من اللحم المقلي بالزبد والبيض. (مصطلحات محمد رمزي).