أيام الفرس أكثر من شهر يتقدّم من خمس تخلو من حزيران ، فيصير في خمسه أيام تخلو أيار ، فتكبس سنتها ، وتردّه إلى خمسة أيام من حزيران ، وأنفذته إلى عبيد الله بن يحيى ، فأمر أن يستفتح الخراج في خمس من حزيران ، وتقدّم إلى إبراهيم بن العباس في أن ينشئ كتابا عن أمير المؤمنين في ذلك ينفذ نسخته إلى النواحي ، فعمل إبراهيم بن العباس كتابه المشهور في أيدي الناس.
قال أبو أحمد : فقال لي المعتضد : يا يحيى ، هذا والله فعل حسن ، وينبغي أن يعمل به ، فقلت : ما أحد أولى بفعل الحسن ، وإحياء السنن الشريفة من سيدنا ، ومولانا أمير المؤمنين لما جمعه الله فيه من المحاسن ، ووهبه له من الفضائل ، فدعا بعبيد الله بن سليمان ، وقال له : اسمع من يحيى ما يخبرك به ، وامض الأمر في استفتاح الخراج عليه ، قال : فصرت مع عبيد الله بن سليمان إلى الديوان ، وعرّفته الخبر ، فأحب تأخيره عن ذلك لئلا يجري الأمر المجرى الأوّل بعينه ، فجعله في أحد عشر من حزيران ، واستأمر المعتضد في ذلك فأمضاه فقلت في ذلك شعرا أنشدته للمعتضد في هذا المعنى :
يوم نوروزك يوم |
|
واحد لا يتأخر |
من حزيران يوافي |
|
أبدا في أحد عشر |
قال : وأخبرني بعض مشايخ الكتاب قال : وكانت الخلفاء تؤخر النوروز عن وقته عشرين يوما ، وأقل وأكثر ليكون ذلك سببا لتأخير افتتاح الخراج على أهله.
وأمّا المهرجان فلم تكن تؤخره عن وقته يوما واحدا ، فكان أوّل من قدّمه عن وقته بيوم المعتمد بمدينة السلام في سنة خمس وستين ومائتين ، وأمر المعتضد بتأخير النوروز عن وقته ستين يوما.
وقال أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونيّ في كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية : ومنه نقلت ما ذكر ابن أبي طاهر وزاد ، ونفذت الكتب إلى الآفاق يعني عن المتوكل في محرّم سنة ثلاث وأربعين ومائتين ، وقتل المتوكل ، ولم يتم له ما دبر ، واستمرّ الأمر حتى قام المعتضد ، فاحتذى ما فعله المتوكل في تخير النوروز غير أنه نظر فإذا المتوكل أخذ ما بين سنته ، وبين أوّل تاريخ يزدجرد ، فأخذ المعتضد ما بين سنته ، وبين السنة التي زال فيها ملك الفرس بهلاك يزدجرد ، ظنا أن إهمالهم أمر الكبس من ذلك الوقت ، فوجده مائتي سنة ، وثلاثا وأربعين سنة ، حصتها من الأرباع ستون يوما وكسر ، فزاد ذلك على النوروز في سنة ، وجعله منتهى تلك الأيام ، وهو من خردادماه في تلك السنة ، وكان يوم الأربعاء ، ويوافقه اليوم الحادي عشر من حزيران ، ثم وضع النوروز على شهور الروم لتكبس شهوره إذا كبست الروم شهورها.
وقال القاضي السعيد ثقة الثقات ذو الرياستين أبو الحسن عليّ بن القاضي المؤتمن