فجرى الأمر على ذلك ، قال القاضي أبو الحسن : وقد كان النقل أغفل في الديار المصرية ، حتى كانت سنة تسع وتسعين وأربعمائة الهلالية تجري مع سنة سبع وتسعين الخراجية ، فنقلت سنة سبع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسمائة ، هكذا رأيت في تعليقات أبي رحمهالله ، وآخر ما نقلت السنة في وقتنا هذا سنة خمس وستين وخمسمائة إلى سنة سبع وستين وخمسمائة الهلالية ، فتطابقت السنتان ، وذلك أنني لما قلت للقاضي الفاضل أبي عليّ عبد الرحيم بن عليّ البيسانيّ : أنه قد آن نقل السنة ، فأنشأ سجلا بنقلها نسخ الدواوين ، وحمل الأمر على حكمه ، وما برح الملوك والوزراء يعتنون بنقل السنين في أحيانها.
وقال أبو الحسين هلال بن المحسن الصابي : حدّثني أبو عليّ قال : لما أراد الوزير أبو محمد المهلبيّ (١) نقل سنة خمس وثلثمائة الهلالية أمر أبا إسحاق والدي وغيره من كتابة في الخراج ، والرسائل بإنشاء كتاب عن المطيع لله في هذا المعنى ، فكتب كل منهم ، وكتب والدي الكتاب الموجود في رسائله ، وعرضت النسخ على الوزير ، فاختاره منها ، وتقدّم بأن يكتب إلى أصحاب الأطراف ، وقال لأبي الفرج بن أبي هشام خليفته : اكتب إلى العمال بذلك كتبا محققه ، وانسخ في أواخرها هذا الكتاب السلطانيّ ، فغاظ أبا الفرج وقوع التفضيل والاختيار لكتاب والدي ، وقد كان عمل نسخة اطرحت في جملة ما اطرح وكتب ، قد رأينا نقل سنة خمسين إلى إحدى وخمسين ، فاعمل على ذلك ، ولم ينسخ الكتاب السلطانيّ ، وعرف الوزير ما كتب به أبو الفرج ، فقال له : لماذا أغفلت نسخ الكتاب السلطانيّ في آخر الكتب إلى العمال ، وإثباته في الديوان ، فأجاب جوابا علك فيه ، فقال له : يا أبا الفرج ما تركت ذلك إلّا حسدا لأبي إسحاق ، وهو والله في هذا الفنّ أكتب أهل زمانه ، فأعد الآن الكتب ، وانسخ الكتاب في أواخرها ، قال القاضي أبو الحسن : وأنا أذكر بمشيئة الله نسخة الكتاب الذي أشار إليه أبو الحسن عليّ بن الحسن الكاتب ، وكتاب أبي إسحاق ، وكتاب القاضي الفاضل ، ليستبين للناظر طريق نقل السنين الخراجية إلى السنين الهلالية ، فإذا قاربت الموافقة ، وحسنت فيها المطابقة ، فالكتاب الفاضليّ أكثر نجازا ، وأعظم إعجازا ، ولا يخفى على المتأمّل قدر ما أورد فيه من البلاغة ، كما لا يخفى على العارف قدر ما تضمنه كتاب الصابي من الصناعة.
نسخة الكتاب الذي أشار إليه أبو الحسن الكاتب : إنّ أولى ما صرف إليه أمير المؤمنين عنايته ، وأعمل فيه فكره ورويته ، وشغل فيه تفقده ، ورعايته أمر الفيء الذي خصه الله به ، وألزمه جمعه ، وتوفيره وحياطته ، وتكثيره وجعله عماد الدين ، وقوام أمر المسلمين ،
__________________
(١) أبو محمد المهلبي : هو الحسن بن محمد من ولد المهلب بن أبي صفرة من كبار الوزراء اتصل بالبويهيين. واجتمعت له وزارة الخليفة ووزارة السلطان ولد سنة ٢٩١ ه وتوفي سنة ٣٥٢ ه. الأعلام ج ٢ / ٢١٣.