وأحمد بن محمد كاتبه ، واحتجت إلى رفع جماعتي إليه ترجمتها بجماعة سنة ست وسبعين ومائتين التي أدركت غلاتها وثمارها في سنة سبع وسبعين ومائتين ، ووجب إلغاء ذكر سنة ست وسبعين ومائتين ، فلما وقفا على هذه الترجمة أنكراها ، وسألاني عن السبب فيها ، فشرحت لهما ، وأكدت ذلك بأن عرّفتهما إني قد استخرجت حساب السنين الشمسية ، والسنين القمرية من القرآن الكريم بعد ما عرضته على أصحاب التفسير ، فذكروا أنه لم يأت فيه شيء من الأثر ، فكان ذلك أوكد في لطف استخراجي ، وهو أنّ الله تعالى قال في سورة الكهف : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف / ٢٥] فلم أجد أحدا من المفسرين عرف معنى قوله : وازدادوا تسعا ، وإنما خاطب الله عزوجل نبيه صلىاللهعليهوسلم بكلام العرب ، وما تعرفه من الحساب ، فمعنى هذه التسع أنّ الثلاثمائة كانت شمسية بحساب العجم ، ومن كان لا يعرف السنين القمرية ، فإذا أضيف إلى الثلاثمائة القمرية زيادة التسع ، كانت سنين شمسية صحيحة ، فاستحسناه ، فلما انصرف جرادة مع الناصر لدين الله إلى مدينة السلام ، وتوفي الناصر رحمهالله ، وتقلد القاسم عبيد الله بن سليمان كتابة أمير المؤمنين المعتضد بالله أجرى له جرادة ذكر هذا النقل ، وشرح له سببه تقرّبا إليه وطعنا على أبي القاسم عبيد الله في تأخيره إياه ، فلما وقف المعتضد على ذلك تقدّم إلى أبي القاسم بإنشاء الكتب بنقل سنة ثمان وسبعين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين ، وكان هذا النقل بعد أربع سنين من وجوبه ، ثم مضت السنون سنة بعد سنة إلى أن انقضت الآن ثلاث وثلاثون سنة ، أولاهنّ السنة التي كان النقل وجب فيها ، وهي سنة خمس وسبعين ومائتين ، وآخرتهنّ انقضاء سنة سبع وثلثمائة ، وقد تهيأ إدراك الغلات ، والثمار في صدر سنة ثمان وثلثمائة ، ونسبته إليها ، وقد عملت نسخة هذا النقل نسختها تحت هذا الموضع ليوقف عليها ، وقد كان أصحاب الدواوين في أيام المتوكل لما نقل سنة إحدى وأربعين ومائتين إلى سنة اثنتين وأربعين ومائتين جبوا الجوالي والصدقات لسنتي إحدى واثنتين وأربعين ومائتين في وقت واحد ، لأنّ الجوالي بسرّمن رأى (١) ، ومدينة السلام (٢) ، وقصب المدن المشهورة كانت تجبي على شهور الأهلة ، وما كان من جماجم أهل القرى في الخراج والضياع والصدقات والمستغلات ، كان يجبى على شهور الشمس ، وفي ثلاث وثلاثين سنة اجتمعت أيام سنة شمسية كاملة ، فألزم أهل الذمّة خاصة بالجوالي ، ورفعها العمال في حساباتهم فمن لم يرفعها ألزموه بجوالي السنة الزائدة ، فأحفظ أنه اجتمع من ذلك ألوف دراهم ، ثم جدّدت الكتب إلى العمال بأن تكون حساباتهم الجوالي على شهور الأهلة ،
__________________
(١) سرّ من رأى : كان اسمها قديما : ساميرا سميت بسامير بن نوح ولما استحدثها المعتصم سمّاها سرّ من رأى وهي الآن سامراء بالعراق. معجم البلدان ج ٣ / ٢١٥.
(٢) مدينه السلام : هي مدينة بغداد. معجم البلدان ج ٣ / ٢٣٣.