بالعمل على ذلك ، وأن يكون ما يصدر إليكم من الكتب ، وتصدرونه منكم ، وتجري عليه أعمالكم ورفوعكم وحسباناتكم ، وسائر مناظراتكم على هذا النقل ، فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين ، واعمل به مستشعرا فيه ، وفي كل مضنة تقوى الله ، وطاعته ومستعملا عليه ثقات الأعوان وكفاتهم ، ومشرفا عليهم ، ومقوّما لهم ، واكتب بما يكون منك في ذلك إن شاء الله تعالى.
نسخة أبي إسحاق الصابي : أما بعد : فإنّ أمير المؤمنين لا زال مجتهدا في مصالح المسلمين ، وباعثا لهم على مراشد الدنيا والدين ، ومهيأ لهم أحسن الاختيار فيما يوردون ويصدرون ، وأصوب الرأي فيما يبرمون وينقضون ، فلا يلوح له خلة داخلة على أمورهم إلّا سدّها ، وتلافاها ولا حال عائدة بحظ عليهم إلا اعتمدها ، وأتاها ، ولا سنة عادلة إلا أخذهم بإقامة رسمها ، وإمضاء حكمها ، والاقتداء بالسلف الصالح في العمل بها ، والإتباع لها ، وإذا عرض من ذلك ما تعلمه الخاصة بوفور ألبابها ، وتجهله العامّة بقصور أفهامها ، وكانت أوامره فيه خارجة إليك ، وإلى أمثالك من أعيان رجاله ، وأماثل عماله الذين يكتفون بالإشارة ، ويجتزون بيسير الإبانة والعبارة لم يدع أن يبلغ من تخليص اللفظ ، وإيضاح المعنى إلى الحدّ الذي يلحق المتأخر بالمتقدّم ، ويجمع بين العالم والمتعلم ، ولا سيما إذا كان ذلك فيما يتعلق بمعاملات الرعية ، ومن لا يعرف إلّا الظواهر الجلية دون البواطن الخفية ، ولا يسهل عليه الانتقال عن العادات المتكرّرة إلى الرسوم المتغيرة ليكون القول بالمشروح لمن برز في المعرفة مذكرا ، ولمن تأخر فيها مبصرا ، ولأنه ليس من الحق أن تمنع هذه الطبقة من برد اليقين في صدورها ، ولا أن يقتصر على اللمحة الدالة في مخاطبة جمهورها ، حتى إذا استوت الأقدام بطوائف الناس في فهم ما أمروا به وفقه ما دعوا إليه ، وصاروا على حكمه سواء لا يعترضهم شك الشاكين ، ولا استرابة المستريبين ، اطمأنت قلوبهم ، وانشرحت صدورهم ، وسقط الخلاف بينهم ، واستمرّ الاتفاق بهم ، واستيقنوا أنهم مؤسسون على استقامة من المنهاج ، ومحروسون من حزائز الزيغ والاعوجاج ، فكان الانقياد منهم ، وهم دارون عالمون لا مقلدون مسلمون ، وطائعون مختارون لا مكرهون ، ولا مجبرون.
وأمير المؤمنين يستمدّ الله تعالى في جميع أغراضه ، ومراميه ومطالبه ، ومغازيه مادّة من صنعه يقف بها على سنن الصلاح ، ويفتح له أبواب النجاح ، وينهضه بما أهّله لحمله من الأعباء التي لا يدّعي الاستقلال بها إلا بتوفيقه ، ومعونته ، ولا يتوجه فيها إلّا بدلالته وهدايته ، وحسب أمير المؤمنين الله ، ونعم الوكيل يرى أنّ أولى الأقوال أن يكون سدادا ، وأحرى الأفعال أن يكون رشادا ما وجد له في السابق من حكم الله أصول وقواعد ، وفي النص من كتابه آيات وشواهد ، وكان منصبا بالأمّة إلى قوام من دين أو دنيا ، ووفاق في آخره أو أولى ، فذلك هو البناء الذي يثبت ، ويعلو ، والغرس الذي ينبت ويزكو ، والسعي الذي