تنجح مباديه وهواديه ، وتبهج عواقبه وتواليه ، وتستنير سبله لسالكيها ، وتوردهم موارد السعود في مقاصدهم فيها غير ضالين ولا عادلين ، ولا منحرفين ولا زائلين ، وقد جعل الله عزوجل لعباده من هذه الأفلاك الدائرة ، والنجوم السائرة ، فيما تنقلب عليه من اتصال وافتراق ويتعاقب عليها من اختلاف ، واتفاق منافع تظهر في كرور الشهور والأعوام ، ومرور الليالي والأيام ، وتفاوت الضياء والظلام ، واعتدال المسالك والأوطان ، وتغاير الفصول والأزمان ، ونشو النبات والحيوان ، مما ليس في نظام ذلك خلل ، ولا في صنعه زلل بل هو منوط بعضه ببعض ، ومحوط من كل تلمة ونقض.
قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) [يونس / ٥] ، وقال جلّ من قائل : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الرعد / ٢] ، وقال تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس / ٣٨] ، وقال عزت قدرته : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس / ٣٩] ، ففضل الله تعالى بهذه الآيات بين الشمس والقمر ، وأنبأنا في الباهر من حكمه ، والمعجز من كلامه أن لكل منهما طريقا سخر فيها ، وطبيعة جبل عليها وأن تلك المباينة والمخالفة في المسير يؤدّيان إلى موافقة ، وملازمة في التدبير ، فمن هنا لك زادت السنة الشمسية.
فصارت ثلثمائة وخمسة وستين يوما وربعا بالتقريب المعمول عليه ، وهي المدّة التي تقطع الشمس فيها الفلك مرّة واحدة ، ونقصت الهلالية ، فصارت ثلثمائة وأربعة وخمسين يوما ، وهي المدّة التي يجامع القمر فيها الشمس اثنتي عشرة مرّة ، واحتيج إذا انساق هذا الفضل إلى استعمال النقل الذي يطابق إحدى السنتين بالأخرى إذا افترقنا ، ويداني بينهما إذا تفاوتتا ، وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على افتنان من طرقها ومذاهبها ، وفي كتاب الله عزوجل شهادة بذلك إذ يقول في قصة أهل الكهف : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف / ٢٥] ، فكانت هذه الزيادة بأنّ الفضل في السنين المذكورة على تقريب التقريب.
فأما الفرس : فإنهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثنا عشر شهرا ، وأيامها ثلثمائة وستون يوما ، ولقبوا الشهور باثني عشر لقبا ، وسموا أيام الشهر منها بثلاثين اسما ، وأفردوا الخمسة الأيام الزائدة ، وسموها المسترقة ، وكبسوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهرا ، فلما انقرض ملكهم بطل في كبس هذا الربع تدبيرهم ، وزال نوروزهم عن سنته ، وانفرج ما بينه ، وبين حقيقة وقته انفراجا هو زائد لا يقف ، ودائر لا ينقطع ، حتى إن موضوعهم في النوروز أن يقع في مدخل الصيف ، وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الشتاء