بمصالحهم التي ضعفت قواهم عن ارتيادها ، ورعاية لمن ضمنه أقطار المملكة من الرعايا ، وحملا لهم على أعدل السنن ، وأفضل القضايا يحمده أمير المؤمنين على ما أعانه عليه من حسن النظر للأمّة ، وادّخره لأيامه من الفضائل التي صفت بها ملابس النعمة ، ووفقه لما يعود على الكافة بشمول الانتفاع ، حتى صار استبدال الحقوق بواجبات الشريعة الواضحة الأدلة واستيفاؤها بمقتضى المعدلة ، فيما يجري على أحكام الخراج ، وأوضاع الأهلة ، ويرغب إليه بالصلاة على محمد الذي ميزه بالحكمة ، وفصل الخطاب ، وبين به ما استيهم من سبل الصواب ، وأنزل عليه في محكم الكتاب : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [يونس / ٥] صلى الله عليه ، وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كافيه فيما أعضل لمّا عدم المساعد ، وواقيه بنفسه لما تخاذل الكف والساعد ، وعلى الأئمة من ذريتهما العاملين برضى الله تعالى فيما يقولون ويفعلون ، والذين يهددون بالحق ، وبه يعدلون ، وإنّ أولى ما أولاه أمير المؤمنين حظا وافيا من تفقده ، وأسهم له جزءا وافرا من كريم تعهده ، ونظر إليه بعين اهتمامه ، واختصه بالقسم الأجزل من استمالة أمر الأموال التي يستعان بها على سدّ الخلل ، وبرجائها يستدفع ما يطرق من الحادث الجلل ، وبوفورها تستثبت شؤون المملكة ، وتستقيم أحوال الدول ، وباستخراجها على حكم العدل الشامل ، ووصية إنصاف المعامل تكون العمارة التي هي أصل زيادتها ، ومادة كثرتها وغزارتها.
ولما كانت جباياتها على حكمين : أحدهما : يجيء هلاليا ، وذلك ما لا يدخله عارض ولا إشكال ، ولا إبهام ، ولا يحتاج فيه إلى إيضاح ولا إفهام ، لأن شهور الهلال يشترك في معرفتها الأمير والمقصر ، ويستوي في الفهم بها المتقدّم في العلم والمتأخر ، إذ كان الناس آلفين لأزمنة متعبداتهم السنين مما يحفظ لهم نظام مرسوم ، والآخر يجيء خراجيا ويثبت بنسبته إلى الخراج لأنها تضبط أوقات ما يجري ذلك لأجله من النيل المبارك ، والزراعة وتحفظ أحيانه دون السنة الهلالية ، وتحرس أوضاعه ، ولا يستقل بمعرفته إلا من باشره ، وعرف موارده ومصادره ، فوجب أن يقصر على السنة الخراجية النظر ، ويفعل فيها ما تعظم به الفائدة ، ويحسن فيه الأثر ويعتمد في إيضاح أمرها ، وتقديم حكمها على ما تتحلى به التواريخ ، وتزين به السير ، ويكون ذلك شاهدا لمساعي السيد الأجل الأفضل الذي لا يزال ساهرا ليله في حياطه الهاجعين شاهرا لسيفه في حماية الوادعين مطلعا للدولة بدور السعادة ، وشموسها مذللا صعب الحوادث ، وشموسها ناطقة تارة بأن أمّة هو راعيها قد فضل الله سائسها ، وأسعد مسوسها ، وهذا حين التبصير والإرشاد ، وأوان التبيين للغرض والمراد ، لتتساوى العامّة والخاصة في علمه وتسعهم الفائدة في معرفة حكمه ، وتتحقق المنفعة لهم فيما يمنع من تداخل السنين واستقبالها ، وتتيقن المعدلة عليهم فيما يؤمن من المضار التي يحتاج إلى استدراكها.