ومعلوم أنّ أيام السنة الخراجية ، وهي السنة الشمسية بخلاف السنة الهلالية لأن أيام السنة الخراجية من استقبال النوروز إلى آخر النسيء ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم ، وأيام السنة الهلالية لاستقبال المحرّم إلى آخر ذي الحجة ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما ، والخلاف في كل سنة بالتقريب أحد عشر يوما ، وفي كل ثلاث وثلاثين سنة سنة واحدة على حكم التقريب ويتقضيه ما تقدّم من الترتيب ، فإذا اتفق أن يكون أوّل الهلالية موافقا لمدخل السنة الخراجية ، وكانت نسبتهما واحدة استمرّ اتفاق التسمية فيهما ، وبقي ذلك جاريا عليهما ، ولم يزالا متداخلين لكون مدخل الخراجية في أثناء شهور الهلالية إلى انقضاء ثلاث وثلاثين سنة ، فإذا انقضت هذه المدّة بطلت المداخلة ، وخلت السنة الهلالية من نوروز يكون فيها ، وبحكم ذلك بطل اتفاق التسمية ، ويكون التفاوت سنة واحدة للعلّة المقدّم ذكرها ، ومن أين يستمرّ بينهما ائتلاف ، أو يعدم لهما اختلاف ، أم كيف يعتقد ذلك أحد من البشر.
والله تعالى يقول : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) [يس / ٤٠] فقد وضح دليل التباعد بما جاء منصوصا في الكتاب ، وظهر برهانه بما اقتضاه موجب الحساب ، فيحتاج بحكم ذلك إلى نقل السنة الشمسية إلى التي تليها لتكون موافقة للهلالية ، وجارية معها ، وفائدة النقل أن لا تخلو السنة الهلالية من مال خاص ينسب إلى السنة الموافقة لها ، لأنّ واجبات العسكرية على عظمها ، واتساعها وأرزاق المرتزقة على اختلاف أجناسها ، وأوضاعها جارية على أحكام الهلالية غير معدول بها عن ذلك في حال من الأحوال ، والمحافظة على ثمرة ارتفاعها متعينة ، ومنفعة العناية بما تجري عليه واضحة مبينة ، ولما أهلت سنة إحدى وخمسمائة ، ودخلت فيها سنة تسع وتسعين وأربعمائة الخراجية المواقة لسنة إحدى وخمسمائة الهلالية كان في ذلك من التباين ، والتعارض والتفاوت ، والتنافر بحكم إهمال النقل فيما تقدّم ما صارت السنة الهلالية الحاضرة لا يجبي خراج ما يوافقها فيها ، ولا تدرك غلّات السنة المجرى ما لها عليها إلّا في السنة التي تليها ، فهي تستهل وتنقضي.
وليس لها في الخراجيّ ارتفاع والأعمال تطيف بالزراعة ، ولا حظ لها في ذلك ، ولا انتفاع ، وهذه الحال المضرّة بها على بيت المال غير خفية ، والأذية فيها للرجال المقطعين بادية ، وأسباب لحوقها إياهم مستمرّة متمادية ، ولا سيما من وقع له بإثبات وأنعم عليه بزيادات ، فإنّهم يتعجلون الاستقبال ، ويتأجلون الاستغلال ، ومتى لم تنقل هذه السنة الخراجية كانت متداخلة بين سنين هلالية ، وهي موافقة لغيرها ، وما لها يجري على سنة تجري بينهما لأنّ مدخلها في اليوم العاشر من المحرّم سنة إحدى وخمسمائة ، وانقضاؤها في العشرين من المحرّم سنة اثنتين وخمسمائة ، وهي متداخلة بين هاتين السنتين ، وما لهما يجري على سنة إحدى وخمسمائة ، والحال في ذلك لا ينتهي إلى أمد ، ولا يزال الفساد