الله عليه ، وكان عبد الله بن سعد على ميمنة عمرو منذ توجه من قيسارية إلى أن فرغ من حربه ، وكان بالإسكندرية أسقف للقبط يقال له : أبو ميامين ، فلما بلغه قدوم عمرو إلى مصر كتب إلى القبط يعلمهم أنه لا يكون للروم دولة ، وإنّ ملكهم قد انقطع ، ويأمرهم بتلقي عمرو.
فيقال : إنّ القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو أعوانا ، ثم توجه عمرو لا يدافع إلا بالأمر الخفيف ، حتى نزل القواصر ، فسمع رجل من لخم نفرا من القبط يقول بعضهم لبعض : ألا تعجبون من هؤلاء القوم يقدمون على جموع الروم ، وإنما هم في قلة من الناس ، فأجابه رجل منهم فقال : إن هؤلاء القوم لا يتوجهون إلى أحد إلّا ظهروا عليه ، حتى يقتلوا خيرهم ، وتقدّم عمرو لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أتى بلبيس فقاتلوه بها نحوا من الشهر حتى فتح الله عليه ، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف ، حتى أتى أم دنين (١) ، فقاتلوه بها قتالا شديدا ، وأبطأ عليه الفتح ، فكتب إلى عمر يستمدّه فأمدّه بأربعة آلاف تمام ثمانية آلاف ، وقيل : بل أمدّه باثني عشر ألفا ، فوصلوا إليه أرسالا يتبع بعضهم بعضا.
فكان فيهم أربعة آلاف عليهم أربعة : الزبير بن العوّام ، والمقداد بن الأسود ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد. وقيل : إنّ الرابع : خارجة بن حذافة دون مسلمة ، ثم أحاط المسلمون بالحصن ، وأميره يومئذ المندقور الذي يقال له : الأعيرج من قبل المقوقس بن قرقت اليونانيّ ، وكان المقوقس ينزل الإسكندرية وهو في سلطان هرقل غير أنه كان حاضرا لحصن حين حاصره المسلمون ، فقاتل عمرو بن العاص من بالحصن ، وجاء رجل إلى عمرو فقال : اندب معي خيلا حتى آتي من دياراتهم عند القتال ، فأخرج معه خمسمائة فارس عليهم : خارجة بن حذافة في قول ، فساروا من وراء الجبل حتى دخلوا مغار بني وائل قبل الصبح ، وكانت الروم قد خندقوا خندقا ، وجعلوا له أبوابا ، وبنوا في أفنيتها حسك الحديد ، فالتقى القوم حين أصبحوا ، وخرج خارجة من ورائهم ، فانهزموا حتى دخلوا الحصن ، وكانوا قد خندقوا حوله ، فنزل عمرو على الحصن ، وقاتلهم قتالا شديدا يصبحهم ويمسيهم ، وقيل : إنه لما أبطأ الفتح على عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب يستمدّه ، ويعلمه بذلك ، فأمدّه بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم مقام الألف الزبير بن العوّام ، والمقداد بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد ، وقيل : بل خارجة بن حذافة لا يعدّون مسلمة. وقال عمر : إعلم أنّ معك اثني عشر ألفا ، ولا تغلب اثنا عشر ألفا من قلة.
وقيل : قدم الزبير في اثني عشر ألفا ، وإن عمرا لما قدم من الشام كان في عدّة قليلة ،
__________________
(١) أم دنين : هي تنونياس قديما وسمّاها العرب فيما بعد أم دنين ثم سميت المقس وكانت على النيل وموقعها الآن أولاد عنان وشارع كامل وحديقة الأزبكية. النجوم الزاهرة ج ١ / ١٣.