في الفتاوى ببعض أشياء أنها مكفرة فلا يعول عليها (١) ، نعم إن جميع الشعائر الظاهرة هي من الدين أيضا ومنها حفظ النفس.
وقد علمنا من الشرع تقديمها على كل ما سواها إلا الإعتقاد ، ولهذا يجوز إتلافها في القتال على الدين وهكذا على شعائره ، فإنهم صرحوا بأن من تركوا جميعا الآذان يقاتلون حفظا للدين وتقديما له على النفس ، لكن ذلك إذا كان منبئا عن الإستخفاف الراجع للإعتقاد ، أما إذا تبين التأويل أو العذر المنبىء عن صحة الإعتقاد فلا يقاتلوا حينئذ ولهذا لم نؤمر بقتال تاركي الجمعة بتأول وجوب الإمام المعصوم مع أنها من شعائر الدين.
وبما تقدم يعلم جواز تلقيح الجدري من الحيوان أو الإنسان ، لأنه قد ثبت بالتجربة المفيدة للقطع أنه حافظ من الهلاك أو مما يقرب منه ، ومن هذا الباب تجويزهم للكتابة بالدم مع أنه فيه استخفاف بالحروف التي مرجعها الدين ، وبيانه أن الإستخفاف فعل القلب والأعمال الظاهرية دالة عليه وأقيمت مقام الحرمة بسبب دلالتها لا لذاتها ، فهلاك النفس تعارض مع ما يدل على الإستخفاف فقدم دفع الهلاك للتيقن بسلامة الإعتقاد ، وغلب ذلك الدلالة لارتكاب أخفّ الضررين.
فإن قيل : كيف يكون أخف الضررين مع أن الآخر مرجعه للدين وهو مقدم على النفس؟
فالجواب : إن الدين قد علمت أنه سالم وهو الإعتقاد ولم يبق إلا الدلالة في مقابلة
__________________
ـ الصريح لا يؤول كما نص عليه العلماء ومنهم : تقي الدين الشبلي والشيخ ابن حجر والقاضي عياض وإمام الحرمين وغيرهم كثير.
فينبغي أن يستحضر طالب الحق هذه القاعدة : «إن الصريح لا يؤول» : فلا يلقها من يده فإنها تنفعه وتمنعه من التسليم لما يراه في الفتوحات المكية للشيخ محيي الدين بن عربي من العبارات التي هي صريحة في الكفر.
فاعلم أنها موسوسة عليه لأمرين :
أحدها : أن الشعراني قال إنه اطلع على النسخة الأصلية فوجدها خالية من هذه الكفريات. وأن صاحب «المعروضات المزبورة» أحد الفقهاء المشهورين في أهل المذهب الحنفي قال : تيقنا أن اليهود دسوا عليه في نصوص الحكم.
الثاني : أن الحافظ ابن حجر قال في لسان الميزان في ترجمة ابن عربي إعتدّ به حفاظ عصره كابن النجار ، وابن الدبيثّي.
ويؤيد ذلك أن في الفتوحات المكية عبارات صريحة في إبطال القول بعقيدة الحلول والإتحاد ، وفيها التنزيه الصريح لله تعالى عما ينزهه أهل الحق ، ففيها الكثير من هذا والكثير من ذاك. فالحذر الحذر مما يخالف القاعدة المقررة أن التأويل في اللفظ الصريح لا يقبل. ا ه.
(١) انظر كتاب روضة الطالبين للنووي ١٠ / ٦٤ وكتاب الشفا للقاضي عياض ٢ / ٢١٠ وما بعدها والفتاوى الخانية ورسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات طبعة أولى سنة ١٩٩١ صادر عن مؤسسة نادر بيروت.