البول ، حيث قال : وبالبول أيضا ، أي إذا حصل العلم (١).
ومن المعلوم أن الفقهاء يصوّرون المسائل ولو المستحيلة تقريرا لحكمها لما عسى أن يطرأ في زمن لا يقدر فيه على استنباط الأحكام ، فليس كلامه دليلا على الجواز في تلك المسألة لأنه مقيد بالعلم ، وقد علمت أنها من قبيلة الرقيا والرقيا من الموهوم فلا يجوز الإستناد إلى كلامه مع الغفلة عن قيده الذي هو العلم ، ولم نر في كلامهم من يسوغ إطلاق العلم على الوهم ، وغاية ما قالوه في المسألة : إن بعضهم جعل كلام حذاق الأطباء مما يحصل به العلم ، وقال العلامة السيد ابن عابدين (٢) في حواشي الدرّ : «إنه لعله من التوسع في إطلاق العلم على الظن». أقول : وذلك لأن مسائل علم الطب على قسمين :
أحدهما : ما يرجع إلى علم التشريح ، وكيفية تركيب الأبدان وهي يقينية.
والثاني : ما يرجع إلى الدواء ومسائله ظنية كما تقدم.
ثم اعلم أن تعاطي الأسباب بأقسامها الثلاثة التي تقدمت في صدر هذا المبحث ، هو من أعمال الكاملين في الدين ولا ينافي التوكل على الله ، وقد بسط المسألة بيرم الثاني في كتابه «حسن النبأ» المشار إليه ، وحققناها فيما كتبناه على باب : «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» (٣). من البخاري.
وخلاصة الكلام أن العمل بالأسباب مع التوكل على الله في نجاحها هو المشروع ، ومخالفة ذلك سوء أدب مع الخالق جل وعلا ، فيعصي الإنسان من حيث يظن أنه يطيع ، وقد صرح بمثل ذلك العارف الشعراني (٤) في «المواثيق والعهود» ، حيث قال : «إن التوكل
__________________
(١) قال ابن عابدين «إلقاء المصحف في القاذورات من الكفر الفعلي ولو لم يقصد الإستخفاف لأن فعله يدل على الاستخفاف أو أوراق العلوم الشرعية أو أي ورقة عليها إسم من أسماء الله تعالى مع العلم بوجود الإسم فيها».
فليعلم أنه لا يجوز كتابة شيء من القرآن الكريم بالدم أو بالبول ولو كان بحسب قوله على معنى التشفي لأن هذا الفعل فيه إستخفاف بشعائر الدين. وكتب العلماء طافحة في الرد على زعم هذا القول الخطير.
(٢) هو محمد علاء الدين بن محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الحسيني الدمشقي. (١٢٤٤ ـ ١٣٠٦ ه) فقيه حنفي من علماء دمشق. وفيها توفي. الاعلام ٦ / ٢٧٠.
(٣) الحديث أيضا في سنن ابن ماجه برقم (٣٩٨٢ ـ ٣٩٨٣) وفي سنن أبي داود برقم (٤٨٦٢) وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل ٢ / ١١٥.
وفي المعجم الكبير للطبراني ١٢ / ٢٧٨ وفي مجمع الزوائد للهيثمي ٨ / ٩٠ وفي مشكل الآثار للطحاوي ٢ / ١٩٧ وفي الشفا ١ / ١٧٧ وفي حلية الأولياء ٦ / ١٢٧ وفي الدرر المنتثرة للسيوطي (١٧٨) وفي كنز العمال للمتقي الهندي (٨٣٠).
(٤) هو عبد الوهاب بن أحمد بن علي الحنفي نسبة إلى محمد ابن الحنفية الشعراني أبو محمد (٨٩٨ ـ ٩٧٣ ه) متصوف ولد في قلقشندة وتوفي في القاهرة. له «البحر المورود في المواثيق والعهود» الاعلام ٤ / ١٨٠ شذرات الذهب ٨ / ٣٧٢ معجم المطبوعات (١١٢٩ ـ ١١٣٤).