لأني في اضطرار إلى اراحة البال والبدن للأسباب الّتي تعلمونها حقّا ، فلزمتني مراعاة الحال إلى أن ينفس الله الكرب لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] والله حفيظ وولي من يتوكل عليه والسلام في غرة صفر سنة ١٢٩٧ ه».
إلّا أن هذا المكتوب لما بلغ تونس منعه أحباء صاحب الترجمة وخواصه من الوصول ليد الوزير وبقي المرحوم في وظائفه إلى حين وصوله للاستانة ، ولما ورد خبر وصوله إليها أسرعت الحكومة التونسيّة بتوجيه جميع وظائفه إلى غيره ، وهو المرحوم الشيخ أحمد الورتتاني. ومما يجمل بي ذكره هنا أن عائلة صاحب الترجمة رأت من مكارم أخلاق هذا الخلف وحسن تودّده وتلطفه بها ما يندر وجود مثله في الأعصر السالفة فضلا عن هذا الزمان في وقت اضطهاد الحكومة لسلفه ومراقبتها الشديدة لكل ما يتعلق به ، ثم إن صاحب الترجمة لما استقر بدار الخلافة مدح الحضرة السلطانيّة بقصيدة مطلعها :
النصر والتأييد والعمر المديد |
|
قد توجّت في عرشها عبد الحميد |
وأرّخ سنة الجلوس الشاهاني بقوله :
بشرى الولاية قد أتت تاريخها |
|
لخلافة يسنى بها عبد الحميد |
ولم تطل الأيّام حتّى أرسل الوزير التونسي يطلب من الباب العالي ارجاع الشيخ بيرم إلى تونس مدّعيا أنه سافر بدون رخصة الحكومة ولم يقدم حسابا عن ادارته في الأوقاف والواقع ونفس الأمر أنه لم يطلبه إلّا بالحاح قنصل فرنسا عليه من جهة لأن فرنسا لا تحب حصول الارتباط بين تونس والدولة العليّة بأي وجه من الوجوه ، حتّى أنها من بين سائر الدول لم تعترف بفرمان سنة ١٢٨٨ ه المقرّر لتابعيّة تونس للخلافة الإسلاميّة ، ومن جهة أخرى قد خشي الوزير من التحام صاحب الترجمة بخير الدين باشا وافسادهما مساعيه لتولي الامارة واطلاع الدولة العثمانيّة على دسائسه وسوء سياسة الحكومة التونسيّة في مدة الصادق باي لأنه سلم جميع الأمور بيد وزيره العديم الخبرة ، وقد بذل مصطفى بن إسماعيل جميع مجهوده وأغرى بعض كبار الرجال في الاستانة لمساعدته على اخراج الشيخ بيرم منها غير أن حكمة مولانا أمير المؤمنين وعدالته حالت بين صاحب الترجمة وبين أعدائه وأصدر أمره العالي بأنه : إذا كانت هناك دعوى على ناظر أوقاف تونس المقيم بالاستانة فلترفع فيها إذ أن تونس لم تخرج عن كونها من الولايات العثمانيّة الّتي تجمعها جامعة تخت السلطنة ، وبذلك سكت مصطفى بن إسماعيل عن دعواه الفاسدة.
أما أولا : فلانّ صاحب الترجمة لم يخرج من تونس إلّا بجواز (باسبورت) رسمي ممضي عليه من الوزير نفسه بصفة كونه وزير الخارجيّة لم يزل محفوظا للآن ، وقد حضر لوداعه يوم السفر كثير من كبار رجال الحكومة بما فيهم وزير البحريّة وأعد له بأمر الوزير الأكبر زورق خصوصي من زوارق الباي لتوصيله للباخرة ، وقد أوصاه الوزير بمحضر جمهور عديد من التونسيين لاحضار بعض هدايا من الحرمين المحترمين ، هذا ما يتعلق