بتقديم ما يريانه في هذه المسألة لجانبها وقد كتب صاحب الترجمة في ذلك تقريرا مفصلا لخص فيه بيان حقوق الدولة العليّة على البلاد التونسيّة وارتباطاتها بها قديما وحديثا ، واستنهض همم الدولة لإنقاذ تلك المملكة المسلمة حيث أنها مرقد المجاهدين ومدفن الصحابة والتابعين من الوقوع في يد دولة أجنبيّة وختم التقرير بنتيجة ما يراه وهو :
إنه إذا كانت الدولة تشغلها شواغل الحرب الروسيّة وعواقبها من انقاذ تونس بالقسر من مغتصبها ، فلا أقل من إنه يلزمها التحالف مع دولة أجنبيّة أخرى للتساعد بها على نيل ذلك المرام ولو اقتضى الحال التنازل لها عن مدينة واحدة مثل «مينا بنزرت» في مقابل هذا التحالف وكانت الدولة جرت على مثله مرارا عديدة ، فإن خسارة مدينة واحدة خير من خسارة مملكة برمتها وقد كان الشيخ بيرم يكتب هذا التقرير والدموع تقرح عينيه والألم العصبي الذي تحرك وتجدّد يفتك بجسده ، وكان يكرر القول على جلسائه بأن لا حذر مما قدّر لا سيما وأن الفرصة المناسبة للدولة قد فاتت وهذا الزمن زمن قتال لا وقت جدال ، وسيأتي ذكر هذا التقرير في مجموعة منشآته ورسائله.
ولما رسخت قدم فرنسا في البلاد يئس المرحوم من قرب العودة إليها ورام التقرب من عائلته للمخابرة في شؤون بيع ما تبقى من أملاكه ونقله العائلة من تونس إلى بلاد أخرى ، فسافر إلى إيطاليا لذلك الغرض وأقام في مدينة «ليفورنو» لقربها من تونس ، وكان مدة إقامته في الأستانة معاشرا لاهلها وخصوصا أبناء العرب منهم معاشرة الصفاء والإخلاص متباعدا عن المزاحمة في طلب المناصب أو التداخل فيما لا يعنيه ، ولم ير منهم الّا ما يسره وكان السيد سلمان القادري رجع من القسطنطينيّة إلى بغداد فلما استقرّ بها كاتب صاحب الترجمة بما نصه :
«كتابي هذا وأنا ممتلي من الأشواق ، ومضطرب لما لها من الاحراق ، كيف لا وحب ذلك المولى الأجل. والنجيب الأفضل ، قد أخذ بمجامع القلوب وأحاط بالفكر على أتم أسلوب ، لمزيد ما انطوى عليه من الأوصاف الحميدة ، والمكارم السديدة ، مع طبع رائق ، وعلو جناب فائق ، وشهامة كاملة ، ونجابة فاضلة ، وعلم وافر ، وفضل متكاثر ، فكل فضيلة به حريّة ، وكل مفخرة له سجيّة ، وليكن معلوما لسيدي أدام الله تعالى بقاه ، وأناله كل ما يتمناه. بأني لم أخل ذكر ثنائه الجميل من لساني ، ولم ينفك تخيل شخصه المنير لحظة عن جناني. بل لا زلت آنسا بما ذكرته من الذكر والخيال. مفتخرا بما خصلته من محبة ذلك المولى النبيل بين الأحباب في جميع الأحوال ، ثم إني وإن قدمت من قبل هذا عريضة لم أحظ بجوابها من ذلك الجناب الرفيع لكني أبدي عذرا لما وقع من القصور مدة من عدم ترديفه بكتاب آخر إذ ترادف العرائض. معدود لدي من جملة الفرائض. فلم يكن التأخير المذكور ناشئا من قصور في المحبة. ولا عن تقصير في العلم بعلو الدرجة والمرتبة. بل ذلك نوع من التقدير. ووجدانك القوي عالم خبير. يصدّق ما يدعيه هذا الخالص الفقير.