واقتناء الخيل العتاق. وعلى آله وأصحابه فرسان ميادين الوفاق». أما بعد : فلا يعزب عن نباهة نبيه. ودراية خبير في المعارف وجيه. ما للخيل على الإطلاق من المزيّة. في المنافع البشريّة. بسائر الآفاق. حتّى ورد في الخبر الشهير : «الخيل معقود بنواصيها الخير» (١) لا سيما نوع العراب منها. الجامعة لأشتات المحاسن فلا مندوحة لأهل الفضل عنها. ألم تر أنها قد حوت جمال الصورة واستقلت بالحذق وتهذيب الأخلاق المشكورة ، فكادت أن تشارك النوع الإنساني في الإدراك. وفضلت سائر أنواع الحيوان بلطافة الذات والمزية في مواطن العراك. ألا وهي (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) [العاديات : ١](فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) [العاديات : ٣] متوسطة الجموع ، مستشرفات الفروع. مبلغات الآمال ، مقربات الشواسع لهمم الرجال. فلذلك توجهت إليها عناية أهل الفضل ، وتسابقت إليها الرغبات في الخصب والمحل ، ولم تزل كريماتها محفوظة الأنساب ، متوارثة الخصال الحميدة من الأجداد إلى الأعقاب. لا يأتلي أهل العناية عن اقتنائها ، ومعرفة أصلها ونسبتها وانتشائها. ويفوز عليها بالمزيّة ما صلح منها لاقتناء الملوك العظام ، سيما ما اختص بأن يعتلي صهوته خليفة الإسلام. لا زال تاجا على هامة الأيام ، وما تختاره إليه العرب من صفوة جيادها الكرام. وعلى الخصوص ما تميز بإهدائه. لخلاصة أهل ولائه. من الملوك الفخام. وكان منها هاته الخمس الجياد. العتيقات الأعراق الأمجاد. ثلاثة منها عراب الآباء والأمهات ، واثنان من خلاصة الأعاجم الوطن وإن ناكبت العراب في الصفات. وقد تحرر هذا التحرير في التعريف بأصولها. وما جمعت من سمات الكمال وفصولها ، فأما الثلاثة العراب ، السابقة القرين في العراقة والإنتساب.
فأولها : اشقرها المبارك ، الذي لا يدانيه في استجماع المحاسن مشارك ، واسمه المجلى ، وقد طابق اسمه مسماه إذ هو لمفاخر الخيل مجلى. وهو من جياد نجد العربيّة. الشهيرة الصفات والمزيّة ، سقلاوي القبيلة ، شامل لما يحمد في أمثاله من الفضيلة ، كل سلسلة أصوله من قبيلته المحمودة ، وكلا أبويه متفرع من ذلك القبيل إلى جدود كثيرة معدودة ، مسماة أجداده وجداته ، خالصة من اشتباه النسب وكمالاته.
وأما ثانيها : وهو الأشهب ، الجاعل أبعد القصبات الهين الأقرب. واسمه السابق ، فهو مناكب متقدمه في جميع صفاته حتى غدى به لاحق ، سوى أنه استعوض عن النجديّة ، بأن كان من العراق العربيّة ، ولا يخفى ما لعتاقها من شهرة المزيّة ، سيما في حفظ النسب
__________________
(١) الحديث في صحيح البخاري برقم (٢٨٥٠ ـ ٣٦٤٥) وفي صحيح مسلم الزكاة رقم (٢٦) وفي الترمذي رقم (١٦٣٦) وفي سنن ابن ماجة برقم (٢٧٨٨) وفي المسند ٢ / ٤٩ و ٥٧ و ١٠١ وفي المعجم الكبير للطبراني ٢ / ٣٨٥ وفي مسند الحميدي (٨٤١) وفي مشكل الآثار للطحاوي ١ / ٨٥ وفي مشكاة المصابيح للتبريزي (٣٨٦٧) وفي موارد الظمآن للهيثمي (١٦٣٥) وفي حلية الأولياء ٣ / ٤٣ و ٨ / ١٢٧ و ٢٦١. وفي كنز العمال (٣٥٢٤٤).