يجوز لي شرعا أن أبتغي بعبد الحميد سلطاني بدلا. فقد ورد في صحيح البخاري : «من خرج عن السلطان قيد شبر مات ميتة جاهليّة» (١) فلم أبالي لذلك بالمضادات الوطنيّة والخارجيّة. واستقررت في ظل الخلافة الإسلاميّة. إلى أن غمرتني الإنعامات الخاقانيّة ، فكيف لا أطير لهذا الإنعام سرورا. وهو علامة بإرادة الله تعالى أن تنال النفس الرضى موفورا ، فقلت يا نفس قرّي عينا ، وردي من مناهل أمير المؤمنين عذبا معينا ، فها أنت شاهدت قسطاس عدله ، وأين أنت من جوده وفضله ، وفوق ذلك ألطاف العناية. الّتي ليس وراءها للتطلب من غاية. فحسبي حسبي ، ولنتوجه ضارعا إلى ربي. بشراشر لبي ، واخلاص قلبي ، ونقول اللهم يا من تجلى بجلائل نعمائه ، ويا من احتجب برداء كبريائه. يا من توجهت إلى جنابه الأقدس عزائم الآمال. ويا من تعلقت بعميم جوده أطماع السؤال ، نستوهبك من الصلوات والتسليمات ، ما يناسب من فضلته على جميع المخلوقات ، وأنرت به أقطار الأرض والسموات ، سيدنا ومولانا محمّد خاتم الرسالة. ومنار الدلالة. وتنظم فيهما معه صحبه الكرام وآله. ونتضرّع إليك اللهم أن تكسو هاته الدولة العليّة العثمانيّة حلة النصر ، خافقة ألوية عدلها إلى آخر الدهر ، مؤيدة أعلامها. مكتوبا على صفحات الأيام إجلالها واعظامها ، بتأييد أسد غابها. وإمام محرابها ، قرة أعين المسلمين. مولانا أمير المؤمنين. المحفوف بالتأييد الرباني ، الخليفة الأعظم السلطان عبد الحميد الثاني ، اللهمّ وكما جعلته منخرطا في سلك المدح من رسولك عليه الصلاة والسلام لامراء القسطنطينيّة من آله الكرام حسبما هو في الصحيح المأثور. فاجعله اللهمّ مظهرا لوعدك حيث قلت (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج : ٤٠ ، ٤١].
وأطل اللهم في طاعتك عمره ، واجعل السداد والصلاح فيما دبره. منكسة أعداؤه على الأعقاب. مستبشرة أحباؤه بعمله المستطاب. وألسنتهم بالدعاء إليه صادحة. خاتمين ضراعتهم بأسرار الفاتحة. وبعد أن انتظمت دعواتنا بمشيئة الله في سلك الإجابة. واحرزت من حضها موقع الإصابة. حان لعصابة الشكر والحمد والثناء أن تكون لسدّة أمير المؤمنين أيده الله مصروفة. ومن البديهي أن وقوعها موقع القبول لدى جلالته على حسن تمهيد مثلك أيها الوزير بعد الإعتماد على الله تعالى موقوفة. فلتور لها زناد الحميّة. من تلك الغيرة الرضائيّة. لا زلتم صاعدين مدارج السعادة في العناية السلطانيّة».
وفي تلك المدة تفرغ الشيخ لتأليف الجزء الثالث من «صفوة الإعتبار» وتحرير رسالة سماها «التحقيق في مسألة الرقيق» بحث فيها عن كيفيّة معاملة الرق عند المسلمين بمقتضى
__________________
(١) الحديث : في صحيح البخاري برقم (٧٠٥٣ ـ ٧١٤٣) وفي صحيح مسلم برقم (١٤٧٧) وفي السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ١٥٧ وفي مسند الإمام أحمد ١ / ٣١٠ وفي شرح السنة للبغوي ١٠ / ٤٧ وفي مشكاة المصابيح للتبريزي (٣٦٦٨) وفي كنز العمال (١٤٨١١).