العلماء لا يتقلدون النياشين وفي حرب الدولة مع الروسية سنة ١٢٤٤ ه تقاعست الولاية التونسيّة عن نصرة الدولة مادّيّا وادبيّا فلم يجد شيخ الإسلام بالآستانة من يستعين به لحث المسلمين في تونس على مساعدة الدولة إلّا جد صاحب الترجمة بيرم الثاني لما هو مشهور عن هذه العائلة منذ القدم أنها متعلقة بخدمة الدولة لا تفتر عن ذلك أبدا فأجابه بالمكتوب الأتي نصه :
«ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. إن أحسن ما تشرفت به الأمة المحمديّة ، وتجملت به العصابة الأحمديّة. اتباع أوامر الله تعالى ونواهيه. وبذل الجهد في إعلاء هذا الدين وتشييد مبانيه ، اقتداء بصدرها الأول ، وعملا بسنة نبيه المرسل. ولعمري أن هذا في العبارة وإن كان سهلا بينا. ففي إبرازه للوجود ليس هينا ، لتوقفه على إمدادات إلهية. وهداية ربانيّة. وداع إلى هذا بلسانه ، ورمحه وسنانه ، وقد تطابقت حملة الأنباء في سائر البلاد. من جميع العباد ، أن القائم بهذا الشأن ، والحائز قصب السبق في هذا الميدان ، ومجدد الدين بعد الأندراس. ومظهر أعلامه أثر الإنطماس. الدولة العثمانيّة أعلى الله منارها ، وضاعف اقتدارها. وأنام الأنام في ظلها ، وأعاد عليهم من فيض فضلها ، فلم تخل والحمد لله من إمام يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، ولم يأل جهدا في رمي أعدائه بالعذاب الأليم ، مؤيد من الله بعلماء ، عاملين هم ورثة الأنبياء ناهجين في نصح العباد مناهج الأصفياء ، وقد ورد علينا من حضرة مولانا شيخ الإسلام ، وإمام العلماء الأعلام ، ومرجع الحكام في الأحكام ، ومن بيده مقاليد النقض والإبرام ، لا زالت أقلامه في بحار العلوم سابحة ، ومواعظه للقلوب جارحة ، وتجارته عند الله تعالى رابحة ، كتاب كريم ، هاد بأوامره ونواهيه إلى الصراط المستقيم ، لا يقابله كل مؤمن إلّا بالقبول والتسليم ، وكيف لا وقد جاء بالذكرى الّتي تنفع المؤمنين. المأمور بها في الكتاب المبين ، حاثا على الجهاد ، والتشمير عن ساق الإجتهاد ، وتعاطي أسبابه ، وطرح الأمور الصارفة عن بابه. فاجتمع لقراءته الأعيان من العلماء وغيرهم بحضرة الأمير جمعا ، وفتحوا له قلبا وسمعا ، وتلقوه بالإذعان والقبول ، والمبادرة لامتثاله بالفعل والقول ، وأميرنا مثابر على تنفيذ أوامر الدولة العلية ، الّتي طاعتها من طاعة رب البريّة ، وما هو إلّا أن يؤمر فيطيع. ويكلف فيأتي بما يستطيع ، والله تعالى يؤيد سلطاننا بمدد نصره ، ويجعل أعداء الدين تحت قهره ، ويعلي رايته الشامخة في البر والبحر ، ويكتب على صفحاتها سورة الفتح والنصر ، والسلام اللائق بجلالكم ، من العبد الفقير محمّد بيرم».
وفي الحرب الأخيرة تأخرت الحكومة التونسيّة عن مساعدة الدولة أيضا لخوفها من معارضة فرنسا ، فقام الشيخ بمقتضى ما ورثه عن ذويه من محبة الدولة العليّة يحرض الوزير وينصح الأمير ويحض المسلمين جميعا على إعانة الدولة ، ولم يكتف بذلك فقط ، بل سعى سعيه حتّى توصل لاستخراج فتاوى شرعيّة بوجوب القيام بواجب المساعدة للدولة ، حتّى لا يبقى هناك عذر لمعتذر في ذلك التقاعس وهذا صورة السؤال الذي طلب عليه الفتوى :