وزمن واحد منه لكن أحدهما في المشرق والآخر في المغرب فإن المغربي يرث المشرقي ، لما أن وقت المشرقي متقدّم في الوجود على وقت المغربي كالزوال مثلا.
وأما كلام أهل الباطن : فقد نقل عن سيدي عبد العزيز الدباغ رضياللهعنه : «أن ساعة الإجابة من يوم الجمعة الوارد فيها الحديث بأنها من عند جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة». قال إن ذلك خاص بوقت صعود إمام المدينة المنوّرة ولما كان ذلك الوقت لا يتحد في جميع البلاد ، منّ الله بساعة النبي صلىاللهعليهوسلم وجعلها تختلف باختلاف صعود الأئمة على المنابر من ذلك اليوم ، وجميع ما تقدم إنما يتأتى على القول بأن الأرض كوروية ولو كانت بسيطة لما تأتى شيء من ذلك ، إذ الشمس إذا ظهرت تظهر على الجميع في آن واحد. ومن كلام القطب سيدي أحمد بن عروس رضياللهعنه : «الصريح فيما نحن بصدده وهو من أنواع النظم المسمى بالملحون ، قوله:
وأدينا مثلتها دلاعا |
|
تتكركب في جملة أدلاع |
ماذ لحقوها من طماعا |
|
ورماتهم في بيرما لوقاع |
وهو صريح في تكويرها ودورانها على ما سيأتي ، وليس في القرآن ما يعارض ذلك إذ مساق الآيات لما يشاهد والمشاهد البسط في نظر العين ، ولما كان خطاب التكليف بهاته الشريعة المطهرة عاما لجميع طبقات الناس كان خطابهم على أسلوب يقتدر به كل على التوصل إلى قدر مدركاته ، هذا في مسائل التكاليف العامة كالإستدلال على وجود الخالق وصحة الرسالة والعلم بدخول أوقات الصلاة والصوم وأشباه ذلك ، أما ما يكتفى فيه بالإستفتاء عن الغير فقد خص الله به الفقهاء.
فقال تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء : ٧]. وهذا أصل نافع يجري في كثير من الأشياء ، وقد بسطه الشاطبي (١) في موافقاته.
وثاني الجهات المشار إليها في الآية : الإستدلال بالجبال المعنون عنها بالرواسي ، فإن عظم خلقتها واختلاف أوضاعها واختصاص كل بحد محدود قاض بوجود مدبر خصها بتلك الحالات ، ولو كانت بمجرد الطبيعة التي هي إسم بلا مسمى لتساوت في جميع الحالات ، مع أن المشاهد هو اختلافها هذا بحسب الظاهر ، وأما إذا دق النظر فيما تختلف به مما تشتمل عليه من أنواع الصخور والتراب والطين والمعادن ، فذاك أمر يبهر العقول ويوقف الأذهان ، ومن أراد الإطلاع على أسرار ذلك فليراجع كتب الطبيعيات والكيمياء.
وثالث الجهات المشار إليها في الآية : الإعتبار بالأنهر واختصاصها بأحوالها التي هي عليها مما يقتضي وجود مخصص لها ، والأغلب في نظم القرآن قران الأنهر بالجبال إشارة
__________________
(١) هو إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي أصولي حافظ. مالكي. توفي سنة (٧٩٠ ه). الأعلام ١ / ٧٥ نيل الإبتهاج (٤٦) معجم المطبوعات (١٠٩٠).