على حقيقته وإنما كانوا يبينونه على قدر ما تصل إليه العقول وعلى قدر الحاجة في الأحكام.
وبما تقدم يظهر أنه لا حاجة إلى تأويلات المفسرين في قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [الرعد : ٣]. حيث حملوا الزوجية على معان أخر كاختلاف الطعوم والطبائع مما ينبو عنه التأكيد باثنين ، فإن ما ذكروه لا ينحصر في اثنين إلا بالنظر للمقابل وحيث تبينت الحقيقة فلا داعي إلى التأويل ويخالف ما قالوه من التأويل ويؤيد ما حررناه من الحمل على الحقيقة أن ما أوّلوا به لا يستقيم على نمط واحد في آيات القرآن العظيم الواردة في هذا المقصد كقوله تعالى في سورة [الحج : ٥](وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ). فإن ما قالوه من اختلاف الطعوم أو الطبائع لا يطّرد في جميع ما تنبته الأرض بل فيها المتوافق في ذلك وإن كان بحسب التشخيص مختلف الأنواع بخلاف ما قلناه فإنه مع الحمل على الحقيقة هو مطّرد أيضا.
وبما تقدّم يعلم وجه طلب العلوم الرياضية على ما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى حيث أن التفسير المتقدّم في الجملة الشريفة إنما تبين بها كما أن تمام الآية اشتمل على إشارة غريبة من ذلك القبيل وهو الجهة الخامسة من جهات الإعتبار المشار إليها بقوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) [الرعد : ٣] : فقد تقدّم أنه تعالى بعد أن ذكر في الآية السابقة الدلائل العلوية ذكر بعدها الدلائل الأرضية ونسق فيها تعاقب الليل والنهار فجعله من الحوادث الأرضية ، فقال المفسرون لظهوره فيها وإن كان هو من متعلقات العلويات وهو الشمس ، واعلم أن مسألة حركة الأرض أي هل هي التي تدور أو أن الشمس هي التي تدور؟ هي من المسائل الظنية أعني أن أدلتها ظنية وكثير من مسائل علم الهيئة هو على هذا النحو إلى الآن ، كمسائل الأبعاد بين الكواكب ومقادير أجرامها وطبائعها. وما تشتمل عليه. وعلماء هذا الفن مقرّون بذلك كما يأتي ، ويشهد له أنهم كانوا مطبقين على أن بعد الزهراء من الشمس مقادير معلومة ، ففي سنة (١٢٩٣ ه) كان اقتران الشمس بالزهراء يعني أن الزهراء تمرّ حائلة بين الأرض والشمس فاعتنوا لذلك من قبل وأرسلوا العارفين إلى الجهات التي يمكن منها رؤية ذلك لتحرير الرصد بالآلات فحرروا ذلك ووجدوا أن جميع حسابات السابقين خطأ فإن البعد الذي حرر هو أقل مما كانوا يحسبون وكذلك مقدار جرم الزهراء ، ومن الجائز أيضا ظهور الغلط في هذا التحرير في وقت آخر.
وحيث كانت المسائل في هذا الفن ظنية اختلف علماؤه في أسباب وجود الليل والنهار واختلاف الفصول بالحرّ والبرد بعد الاجماع على أن ذلك من آثار تقابل الشمس والأرض ، فقدماء الفلاسفة ذهبوا إلى أن الأرض هي التي تدور والذين بعدهم ذهبوا إلى أن الأرض مركز للفلك وبدوران الفلك يحدث الليل والنهار ، وأن الشمس هي التي تدور معه ولها سير خاص بها يحدث منه الصيف والشتاء.
واشتهر هذا المذهب وزاد انتشارا عندما انتشر هذا العلم وتهذب في الأمّة الإسلامية