وكانوا يمنعون إقامة نواب الدول الأجانب في مملكتهم فضلا عن قاعدتها ، وحيث كانت دول أوروبا في هاته القرون الأخيرة لهم مزيد الاعتناء باتساع تجارتهم طلبوا من تلك الدولة الإذن لتجارهم بالإشتغال في المملكة والإقامة بها كما يقيمون سفراء لهم عندها ، وبعد مشقات شديدة حصلوا على الرخصة في وفود تجارهم لكن بخصوص مراسي معلومة على البحر ، وكذلك السفراء ، على شرط أن لا يبيت أحد منهم في البلد أو في البر وإنما يبيتون في سفن حول الشاطىء ، ثم في أواسط هذا القرن أرادت الدول زيادة اتساع الخلطة والتقدّم في الإلتحام بأن يكون لتجارهم الدخول إلى دواخل المملكة مع التعهد من الدولة بحمايتهم وأن يكون سفراؤهم يقيمون في قاعدة المملكة ، وحيث كان أهل الصين أشد الناس تحفظا على عوائدهم امتنعوا من ذلك ، وجرت من تجاسر الأوروباويين مهاوش قتل فيها منهم كثير ممن وجد في مراسي المملكة مخالفا لما أذن له فيه ، فتعصبت حينئذ دولتا إنكلترا وفرنسا على محاربة الصين وحاربوهم فما كانت بضع أشهر حتى وصلت عساكر أوروبا إلى قاعدة المملكة وعقدوا صلحا على نحو ما طلبوا.
وبهذا يتبين للمطالع حالة أهل المملكة في الشجاعة والفنون الحربية ، لأنهم مع كثرتهم المفرطة قهرتهم دولة الإنكليز والفرنسيس بعساكر قليلة لما لا يخفى من كثرة البعد بين أوروبا والصين سيما وقد كان ذلك قبل فتح خليج السويس الذي سيأتي الكلام عليه في المقصد إن شاء الله تعالى.
فكان طريق الوصول إنما هو رأس الرجاء الصالح ، نعم إن لكل من الدولتين مراكز حربية في الهند لا سيما دولة الإنكليز التي مملكتها في الهند أعظم من مملكتها في أوروبا ، لكن هبهم بلغوا ما بلغوا فلو كانت دولة الصين على كثرة سكانها لها الإستعداد الحربي مع الرجولية في السكان لأمكن لهم الفيضان على جميع العالم فضلا عن المدافعة عن نفسها ، وكان السبب في عدم اقتدارهم كثرة استعمال الأفيون الذي هو مصيبة عامة فيهم وتبلغ ببعضهم مبالغ نسأل الله تعالى منها اللطف والحماية ، غير أن هاتيك الخلة لا تعم جميع أقسام المملكة ، وذلك أن هاته المملكة الرحيبة تنقسم إلى ثلاثة أقسام كبرى.
الأوّل : منشورية وهو الجهة الشمالية الشرقية من المملكة.
الثاني : المقاطعات الثماني عشرة ، وهو الجهة الشرقية والوسطى من المملكة ، وهو الصين الأصلية وتغلّب عليه أهل القسم الأول ثم تغلبوا على القسم.
الثالث : وهو الأملاك الإضافية مثل المنغول والتبت وغيرها ، وصار الجميع مملكة واحدة معروفة بالصين.
فأهالي الصين الأصليون هم الذي تغلب فيهم الصفة المتقدم ذكرها ، وأما المنشورية والمنغول وغيرهم فإنهم أقوياء وأشدّاء لا سيما التتر المنغولي. ولهذا كانت السلطنة لغير الصينيين الأصليين ، ولما تفطنوا في السنين الأخيرة لما لحقهم من قهر الأوروباويين لهم