حكما وقتيا وهو راض باستقلالها ، ومما يؤيد هذا أنه في القرن الثامن عشر لم يقبل تشكي دول أوروبا من التلصص البحري والسعي البربري ، وليس له حكم عليهم وهو ليس مولاهم وهو لم يضمن السرقات التي فعلوها مخلة بتجارة البحر المتوسط ، وأن دول أوروبا عملوا الحرب عشرين مرة مع المملكة من غير عقد الحرب مع تركيا. وفي سنة ١٨١٩ كانت معاهدة «اكس لاشبيل» (١) قد حكمت على تونس بمنع التلصص البحري من غير أن تطلب من الباب التداخل على أنه متسيد على تونس ، وفي سنة ١٨٣٣ فمملكتا سردينيا ونابلي عملا الحرب مع تونس من غير عمله مع الباب لأنهم يرون مثل ما نرى أن تونس مستقلة ، ثم أن علاقة تونس مع فرنسا من وقت أخذ هاته الجزائر على النحو السابق من غير واسطة تركيا.
ولما قدم إلينا أحمد باي في سنة ١٨٤٣ اقتبل بكل ما يلزم من التعظيم للملوك والباب العالي لم يتوجع إذ ذاك من عملنا التعظيم الملوكي المذكور ، وكذلك جميع أوروبا لم تلم على ذلك لأن رأيها موافق لرأي اللورد «آبردين» الذي يقول في تسجيله ضد أخذنا الجزائر المكتتب بتاريخ ٢٣ مارث سنة ١٨٣١ : أن الدول الأروباوية من مدة طويلة يفعلون المعاهدات مع الدول البربرية مثل الدول المستقلين وخصوصا تونس فإنها لا تحسب نفسها إلا حرة ، والدليل الواضح الحقي الذي لا ينكره أحد هو عمل القوانين في تونس المسماة «بويورلدي» وحلف عليها الباي الموجود بتونس محمد الصادق لما جلس على الكرسي في ٢٣ أيلول سنة ١٨٥٩ مثل ما حلف أسلافه ، فإن قانونا واحدا منها وهو المسمى بالقانون النظامي لمملكة تونس قد احتوى على مائة وأربعة عشر مادة وانتشر بالعربي والفرنساوي في تونس وفي بونة ، ولم يصرح فيه ولا بكلمة واحدة تقول السلطان ، ومما لا يقدر أن يشك أحد معه في استقلال الباي ما نشر في الصحيفة الرابعة من المقدمة في ذلك القانون ونصه :
«إن المتوظفين الكبار التونسيين اختاروه بكلمة واحدة ليكون رئيس الدولة على مقتضى قانون الوراثة المعروف في المملكة وفي ذلك القانون فصول تامة شرحت الحقوق والواجبات للملك وحالة الأمراء من العائلة الحسينية وحقوق وواجبات الرعايا وكيفية خدمة الوزراء وترتيب خدمتهم ، والمجلس الكبير بالمملكة والمداخيل والحساب ولا شك أن من يطلع عليها يقدر أن يجد ذلك البيان غريبا إذا أراد أن يقيس على رأينا الأروباوي ، ومع هذا فهو دليل واضح على استقلال مملكة تونس وأنها ليست تحت دولة أجنبية ، وجميع المعاهدات التي بين الدول الأروباوية ومملكة تونس منذ مدة الثلاثة قرون الأخيرة لم تقل أبدا إلا مملكة تونس وملك تونس ، ومنها خمسة عشر أو عشرون معاهدة أمضيت بفرنسا فيها ذلك القول ، وفي سنة ١٨٦٨ المعاهدة التي وقعت مع إيطاليا مذكور فيها
__________________
(١) معاهدة «أكس لاشبيل».