الخارجية لاستقراء أمر تونس ، وذلك في كانون ثاني سنة ١٨٨١ وأن الوالي أجاب إذ ذاك فرنسا بأنه يقبل الشروط إذا كان الواسطة فيها هو فرديناند لسبس ، لأنه كان يؤمل بواسطة المذكور الحصول على شروط أوفق له ، وأن الشروط إذ ذاك كانت غير التي قررت الآن ، ومع ذلك كله لم تعلم الدولة العلية بشيء وبه يعلم صدق الكلام في إضمار الوزير التونسي الشر للبلاد ولي بالخصوص ، حيث دافعت عن الحق ونصحته بما يقتضيه الدين والأمانة ، ثم كانت فاتحة أعمال نائب فرنسا عند إمضاء المعاهدة أن طلب من الوالي نفي علي ابن الزي حالا لكي لا يبيح بما وقع من الأسرار التي اطلع عليها ، فنفي إلى حصن قابس ثم توجه الوزير ابن إسماعيل إلى باريس في سفينة فرنساوية حربية شاكرا لأنعام فرنسا بتلك المعاهدة ، ومعلنا لها بأنه يصدق في خدمتها أزيد مما كان يبذله سابقا كذا في عبارته الرسمية عند ملاقاته رئيس الجمهورية المنشورة في الصحيفة الرسمية ، فقلدته فرنسا بأكبر نيشان لها مع الشريط الكبير ورجع إلى تونس ولم يلبث بضع أشهر حتى ورد الأمر على الوالي من وزير فرنسا بعزل وزيره ابن إسماعيل ، لأن نائب فرنسا بتونس توجه إلى باريس وتفاوض مع دولته فيما يسلكونه في تونس ، حيث أن الأعراب والجهات الجنوبية أعلنوا بأن الوالي لما بغى على الدولة العثمانية بدخوله تحت حماية فرنسا فهم لا يطيعونه لأنهم بايعوا أمير المؤمنين سلطان الدولة العثمانية قديما وحديثا فلا يحل لهم الخروج عليه ، وهرب على الوالي جميع عساكره فاضطرت فرنسا لتعبئة الجيوش لتطويع الأعراب ، وكان من جملة التدبير عزل ذلك الوزير الذي توقعوا منه أن يفعل معهم مثل ما فعل مع البلد التي وصل فيها إلى تلك الدرجة ، وتحقق الوزير ما ضرب من المثل بوزارة العلقمي وإن كان هذا أي ابن إسماعيل قد احتاز بجميع خزائن أمراء تونس حتى كان آخر ما بقي للوالي من مفاخر الجواهر عقد لؤلؤ منظم سبحه بها مائة حبة مع حلية زمرد محاط بها الياقوت الأبيض فأعطاهما إليه عند سفره لباريس بعد العزل المذكور ، ورام بسفره إرضاء فرنسا عليه وإرجاعه إلى الوزارة وبقيت البلاد إلى الآن في حيرة واضطراب ودخلت العساكر الفرنساوية إلى قصبة الحاضرة وإلى منازل العساكر في المدينة وأمام قنسلاتو فرنسا وسكن رئيس العساكر الفرنساوية بدار المملكة في بطحاء القصبة وصارت الحكومة لا تتصرف في شيء إلا بأمر الوزير الفرنساوي سواء كان في الداخلية أو في الخارجية ، وتفاقم الضرر بولايات غير الأهل في الوظائف بوسائل غير مرضية ، وعظم الكرب على القبائل والبلدان بما حصل فيهم من العساكر الذين أقاموا بالقيروان وسوسة وهدموا صفاقس وخرجوا من قابس بعد دخولها وعادوا إليها ونسأل الله أن يتداركنا بألطافه ويحسن العاقبة ، ومما ينبغي التنبه إليه هنا أن الأحوال السياسية التي أشرنا إليها مع الدول ، سيما مقاصد ألمانيا لا يمكن أن تخفى على أمة عاقلة مثل الفرنساويين ، فكيف مع ذلك قدموا على تبوء تونس مع كون الفائدة التي تحصل لهم منها لا توازي ما ذكر ، سيما إذا كانت المعاهدة مع تونس التي ذكرناها تجري حقيقة على ظاهرها.