كالمتخذ لخصوص أعياد أو متخذ لخصوص هدية لمسلم ، فهذه تسع صور حاصلة من ضرب ثلاث في ثلاث ، وكل منها إما أن يكون محققا العين أو مشكوكا فيه فتصير ثماني عشرة صورة ، وها أنا أذكرها إجمالا مع أحكامها ثم نورد أدلة الحكم (١).
__________________
(١) مبحث : إعلم أن الذكاة الشرعية تكون بقطع مجرى الطعام والشراب ومجرى النفس بما له حدّ بشرط أن يكون الذابح مسلما أو يهوديا أو نصرانيا ، فإذا حصل هذا وكان المذبوح مأكولا حل الأكل منه لمن علم ، وأما ما كان موته بما لا حد له ، كأن مات بسبب التردي أو الغرق أو شيء يزهق الروح بثقله لا بحده فلا يحل أكله ، وأيضا لا يحل أكل ما لم يعلم هل ذابحه هو ممن يصح تذكيته أم لا؟ لأن أمر اللحم في هذا أشد من أمر الجبن والحلوى ونحوهما ، فإنه إذا شك شخص هل في الحلوى التي بين يديه أو الجبن نجاسة جاز له الأكل منه مع الشك ، وأما اللحم فلا يجوز الشروع في أكله مع الشك في ذكاته كما نص على ذلك الفقهاء كابن حجر الهيثمي والسيوطي من الشافعية والقرافي من المالكية وغيرهم. بل تحريم اللحم الذي لم يعلم طريق حله بأنه شك في ذلك مجمع عليه.
ففي الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيثمي ١ / ٤٥ و ٤٦ ما نصه : «وسئل نفع الله ببركاته عن شاة مذبوحة وجدت في محلة المسلمين ببلد كفار وثنية وليس فيهم مجوسي ولا يهودي ولا نصراني ، فهل يحل أكل تلك الشاة المذبوحة التي وجدت في تلك المحلة أم لا؟.
فأجاب : «بأنه حيث كان ببلد فيه من يحل ذبحه كمسلم أو يهودي أو نصراني ومن لا يحل ذبحه كمجوسي أو وثني أو مرتد ورؤي بتلك البلد شياه مذبوحة مثلا ، وشك هل ذبحها من يحل ذبحه لم تحل للشك في الذبح المبيح والأصل عدمه». اه.
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي ص (٧٤) ما نصه : «الفائدة الثانية : قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: الشك على ثلاثة أضرب : شك طرأ على أصل حرام ـ وشك طرأ على أصل مباح ـ وشك لا يعرف أصله.
فالأول : مثل أن يجد شاة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا يحل حتى يعلم أنها ذكاة مسلم لأن أصلها حرام وشككنا في الذكاة المبيحة».
وفي هامش كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل ١ / ٣٠١ باب الوضوء نقلا عن شهاب الدين القرافي ما نصه : «الفرق الرابع والأربعون بين الشك في السبب والشك في الشرط وقد أشكل على جمع من الفضلاء قال : شرع الشارع الأحكام وشرع لها أسبابا وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشك ، وهو ثلاثة مجمع على اعتباره كمن شك في الشاة المذكاة والميتة وكمن شك في الأجنبية وأخته من الرضاعة» اه.
أي أن تحريم ما شك فيه من اللحم مسألة إجماعية فلا التفات إلى ما يخالط هذا الإجماع من قول بعض أهل العصر المتعالمين ، وهؤلاء ضرّوا الناس برأيهم المخالف للإجماع في البلاد العربية وفي أوروبا وأمريكا ، وموّه بعضهم بإيراد حديث البخاري [ورقمه ٢٠٥٧ ـ ٥٥٠٧] على غير وجهه ، والحديث ورد في ذبيحة أناس مسلمين قريبي عهد بكفر وذلك لقول عائشة : «يا رسول الله إن أناسا حديثي عهد بكفر يأتوننا بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا؟ فقال : «سموا الله أنتم وكلوه».
ومعنى الحديث أن هذه اللحوم حلال لأنها مذكاة بأيدي مسلمين ولو كانوا حديثي عهد بكفر ، ولا يضركم أنكم لم تعلموا هل سمى أولئك عند ذبحها أم لا؟ وسموا أنتم عند أكلها أي ندبا لا وجوبا.
لأن التسمية سنة عند الذبح فإن تركها الذابح حل الأكل من الذبيحة. فمن أين موّه هؤلاء بإيراد هذا الحديث على غير وجهه ، فكأن هؤلاء قالوا إن الرسول أحل أكل ما لم يعلم هل ذابحه مسلم أم مجوسي أم بوذي أم غير ذلك بالإقتصار على التسمية عند الأكل وهذا لم يقله عالم مسلم قط ، فليتقوا الله هؤلاء المشهورون وليعلموا أن الإنسان يسأل يوم القيامة عن أقواله وأفعاله وعقائده.