كل ذلك حملا على الأصل الذي هو الطهارة حتى يثبت ضدّها الخ.
وفي حواشي الدر للسيد ابن عابدين (١) رضياللهعنه من كتاب الذبايح ما نصه : أقول وفي بلاد الدروز كثير من النصارى ، فإذا جيء بالقريشة أو الجبن من بلادهم لا يحكم بعدم الحل ما لم يعلم أنها معمولة بأنفحة ذبيحة درزي ، وإلا فقد تعمل بغير أنفحة وقد يذبح الذبيحة نصراني تأمل الخ. الأصل في هذا ما صرح به في قواعد الأشباه من قاعدة اليقين لا يزول بالشك والمتيقن في أصل الأشياء الطهارة فلا تزول بالشك في المطعومات التي ليست بمحل للتذكية ، ويوافقنا على ذلك مذهب مالك رضياللهعنه فقد نقل عنه أنه سئل عن الجبن الذي يؤتى به من بلاد الروم وقد قيل إنه يعمل بأنفحة الخنازير ، فقال : أما أنا فلا أحرم حلالا وأما إن كرهه الإنسان في نفسه فلا أرى بذلك بأسا ، فأنت ترى تصريحه بالحلية وتبريه من التحريم وإنما جعل اجتنابه من الورع وهذا في المذكى فما بالك بغيره ولا يرد على هذا قاعدة إذا اختلط الحرام والحلال غلب الحرام الحلال المذكورة في الاشتباه ، لأن ذلك فيما إذا تيقن وجود الحرام كاختلاط أشياء نجسة بأخرى طاهرة وكل منهما محقق الوجود غير أنه ليس معلوما بعينه واستويا أو كان النجس أكثر فإنه تغلب الحرمة للجميع ، أما إذا كان الطاهر أكثر فيتحرى ويستعمل الاغلب على الظن طهره.
وأما مسألتنا فإن موضوعها كون الذات المعينة التي أصلها الطهارة وقع الشك فيها هل طرأت عليها نجاسة أم لا؟
وأما ما كان من مسائل الإباحة مما لا يحل أكله إلا بالتذكية ، فالدليل على الحلية فيه ما ذكر في الدر في كتاب الذبايح حيث قال : «وشرط كون الذابح مسلما حلالا خارج الحرم إن كان صيدا أو كتابيا ذميا أو حربيا إلا إذا سمع منه عند الذبح ذكر المسيح» الخ قال محشية السيد ابن عابدين قوله : «إلا إذا سمع» الخ فلو سمع منه ذكر الله تعالى لكنه عنى به المسيح قالوا يؤكل إلا إذا نص فقال : بسم الله الذي هو ثالث ثلاثة حاشا لله (هندية) (٢) وأفاد : أنه يؤكل إذا جاء به مذبوحا عناية كما إذا ذبح بالحضور وذكر إسم الله وحده ، والذي علمنا من حالهم الآن أنهم لا يسمون شيئا بل واللحم يوجد في بلاد أغلب أهلها متدينون بالنصرانية سيما فقرائهم كالقصابين ، وفي مثل ذلك يحمل على حالة الجواز لما قال في الدر في آخر الحظر والإباحة من قوله : «فعلم أن العلم بكون الذابح أهلا للذكاة ليس بشرط الخ» ويؤيده تصريح محشيه فيما نقلناه سابقا في مسألة القريشة والجبن ، بل وسيأتي النقل بجواز ما لم يسم عليه أو سمى غير الله تعالى إذا كان الذابح كتابيا ، وفي تنقيح الحامدية ، أول الذبايح ما نصه : سئل في ذبيحة الذمي الكتابي هل تحل مطلقا أو لا؟
__________________
(١) هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي (١١٩٨ ـ ١٢٥٢ ه) فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره مولده ووفاته في دمشق ـ الأعلام ٦ / ٤٢ معجم المطبوعات (١٥٠ ـ ١٥٤).
(٢) انظر الفتاوى الهندية ٥ / ٢٨٥.