من إيالة برنيطانيا بعوض قدره أربعمائة ألف ليرة ، واغتنم من الأموال خزائن عظيمة حتى قيل إنه خلف في خزائنه الخاصة عشرة ملايين ليرة ، وارتقى إلى ملكه بعده إبنه هنري الثامن (١) سنة ١٥٠٩ وكان شديد البطش لكنه نفع المملكة بالإصلاحات التي أجراها ، وهو أوّل متمذهب بالمذهب البرتيستانت وتعصب له حتى أمر بقتل كل من لا يقبله ، وفي مدته دخلت إرلانده تحت إنكلاتيره وصارت مملكة واحدة وعلى عكسه إبنته المتولية بعد أخيها وهي مريم حتى لقبت بالدموية لقتلها أهل ذلك المذهب بل حرقتهم أيضا وخضدت شوكة القوانين ومجلس البارلمان بعزلها من عارضها وتولية من يوافقها ، وخسرت مدينة كالى من فرنسا لمحاربتها إياها انتصارا لزوجها ملك إسبانيا ثم لما خلفتها أختها سنة ١٥٥٨ رفعت الإضطهاد الديني وزاد مذهب البرتيستانت انتشارا لما نال الأهالي من الحرية في سائر أطوارهم ، وحصلوا على درجات من التقدم بالصنائع والمعارف ممن هاجر إليهم من ألمانيا وفرنسا وغيرهما من أهالي المذهب البرتيستانت لما وجدوا هناك حريتهم من القتل لهم في أوطانهم ، وفي مدتها عرف الشاي عندهم وعرفت الساعات ، وفي سنة ١٦٠٠ تشكلت لجنة الهند التي تقدم بيان أعمالها في المقدمة وحيث لم يكن لها وارث عهدت إلى أحد قرابتها وهو ملك اسكوتسيا الملقب جمس استوارد وبه اتحدت المملكتان ، وهو أول عائلة استوارد استولى سنة ١٦٠٣ وكانت أيامه على نوع من التقدم لانفته من الحروب وكاد في مدته أن يحرق مجلس البارلمان بمن فيه بدسائس البابا فوضع تحته لغم لكنهم تفطنوا له.
وولي بعده سنة ١٦٢٥ ابنه كارلوس الأول وتفاقم الخلاف بينه وبين الأمة في حدود سلطته إذ أراد أن يبقى مجلس الندوة المسمى بالبارلمان صوريا وهو يتصرف كيف يشاء ويحمل المسؤلية على المجلس لإخضاع الأمة وتبرئة نفسه ، فلما عارضه المجلس عزل أعضاءه وانتخب آخرين لكنه كان كلما انتخب أناسا كانوا على نمط سلفهم في معارضته ، حتى تفاقم الخلاف واشتهرت الحرب بين الأمة والملك وكان من حزبه أغلب الأعيان وكبراء البيتوتات لما ينالهم من الحظ من إطلاق الملك ، لأنه كلما أطلقت يده انطلقت أيديهم أيضا فالحظ يقتسمونه بل يكون لهم منه القسط الأوفر ، حيث أن كلا منهم يجتهد في خصوص مرضاة الملك وحواشيه بشيء من التملق والتعظيم الباطل الذي يسخر منه العاقل ، ويضيف إلى ذلك جزء من الأموال التي ينتهبها رشاء لأولئك الأفراد ثم يطلق عنان شهواته في ملايين من الناس على حسب إرادته يستعوض منهم كل ما دفعه من المال والأعمال ، بل وربما أنفذ أغراضه في أقرانه لما وقع بينهم من التحاسد والتشاحن فما هو إلا أن يرضي تلك الشرذمة وينتقم من ضده بالقتل على أوجه لا تحصى ، منها : الجهري ، بدعاوى من الزور وحكم مجالس صورية تلقن ما تقول من الليل ، ومنها : السري ، بالتسميم
__________________
(١) هو هنري الثامن (١٤٩١ ـ ١٥٤٧) ملك سنة (١٥٠٩) انتصر على الفرنسيين. تزوج ست نساء من بينهن كاترينا الأرغونية وآن بولين. المصدر السابق (٧٣٢).