وأما القسم الثالث وهو سلطة الأواسط : فهي بانتخاب الأهالي منهم نوابا عنهم لمجلس النواب للإحتساب على تصرفات الدولة وحماية حقوق السكان ، وما يستقر عليه رأيهم يجري إذا وافقهم مجلس اللوردات ، كما أنه يسوغ للملك أن ينتخب من هذا المجلس رئيس الوزراء ولهذا انتخاب بعض الوزراء من بقية أعضاء هذا المجلس ومدة انتخابهم لأعضاء المجلس سبع سنين ، وشرط العضو أن يكون وجيها غير محكوم عليه بما يشين العرض ذا دخل من أملاك في المملكة غير منقولة يبلغ مائتين وخمسين فرنكا ، أو صاحب معارف له إجازة فيها من المدارس العلمية ولهذا اختص هذا الإحتساب بأواسط الناس ولم يكن للأسافل فيه حظ ، وعدد أعضاء هذا المجلس بحساب واحد على العشرين ألف نسمة من السكان فكان عددهم يتردّد في زهاء سبعمائة ، ومجموع هذا المجلس مع مجلس الأعيان هو المسمى بالقمرة أي الندوة وعليها مدار سائر الأعمال في الداخلية والخارجية ، ومن أصولها أن ميزان المال ليس بمحدود على حالة واحدة دائما بمعنى أنه إذا كان الدخل الموضوع يوفي بمصاريفها للسنة ويفضل منه يبقى الفاضل في الخزنة أو يشتري به من ديون الدولة ، وإذا كان لا يوفي يزاد في الضرائب إلى أن يقع التسديد كما هو جار في الدول الأخرى ، بل إن قاعدة الإنكليز هي جعل الميزان في كل عام بحسبه فينظر إلى مقدار اللازم من المصاريف وعلى مقتضاه يجعل الدخل بحيث لا يكون للدولة فاضلا ، ومن الأصول أيضا إعطاء الحرية لكل فرد وجماعة في مملكتهم بأن يتكلموا في السياسة العامة والخاصة وتصرفات المتوظفين مطلقا وإعلان آرائهم بالقدح أو بالمدح في الصحف وفي مجامع الناس ، ولهم الإستدعاء إلى الاجتماع ولو اجتمع ملايين من الخلق من غير أن يتعرض لهم أحد بشيء ، ومن الأصول أيضا التي استقرت الآن أنه انتشأ في الأمة حزبان.
أحدهما : يسمى حزب المحافظين يعني أنه يريد التحفظ على القوانين الموجودة والجري عليها في الداخلية والمساعدة على كل ما يساعدها في الخارجية وأن لا يتغير شيء إلا ما تدعو إليه الضرورة.
والحزب الثاني : يسمى بحزب الحرية يعني أنه يريد زيادة إطلاق الحرية في الداخلية وفي كل الممالك ويساعد على قطع عوائق الحرية في أي جهة كانت بما يقتضيه حال الإنكليز.
ولكل من الحزبين زعماء مشهورون بما يقولون ويكتبون للإشتهار وتشتمل عليهم الندوة ، ومهما مالت أكثريتها لأفكار أحد الحزبين وجب أن تكون الوزارة مركبة من أعضاء ذلك الحزب فلا تزال تتداول الدولة بينهم ، ومن لازمها أنه كلما تغيرت الوزارة يتغير معها سائر المأمورين الذين عليهم مدار الأعمال ولو من علائق ذات الملك ، فإن كاتب سره وحواشيه الذين يخدمونه فيما يتعلق بتصرفات الدولة يلزم تبدلهم أيضا مع الوزارة خشية من إفشاء أسرارها لضدها ومن الوشاية أو التراخي من جهة ما يتعلق بالملك مما يضر بالإجراء ،