وإنما لها عليهم مجرد المراقبة والحماية ، وتلزم الملوك بإجراء العدل في ممالكهم وإجراء الشورى وبذلك يحصل ميل العموم إليها ، فإن قيل : إذا كان الأمر كما ذكر فأي فائدة للإنكليز في هاته المستعمرات سوى تشويش البال وخسائر الأموال في الحماية أو الثورات؟ فالجواب : أن فائدتهم عظيمة من وجوه :
أولها : وهو الأهم رواج التجارة الإنكليزية فإن مائتي مليون من الخلق لا يجولون إلا في السلع والبضائع الإنكليزية له من الأهمية ما لا يخفى ، وبضائع بقية الممالك إما أن تمنع بما يوظف عليها من عظيم القمرق في تلك المستعمرات أو يدخل منها ما لا وجود له عند الإنكليز مما هو حاجي ، فأما البضائع الإنكليزية فتدخل معفاة من الأداء فلن تبور لهم بضاعة ولا تقفل لهم معامل فما ينتجه ثلاثون مليونا من الإنكليز من الصنائع يكونون مطمئنين على رواجه في مستعمراتهم كل على قدر احتياجها زيادة عن الممالك الأجنبية وكفى بذلك غنى للأمة الإنكليزية ، وأي فائد أعظم لها من ذلك ودونك مثالا لهذا فإن مستعمر الهند وحده كانت قيمة التجارة الصادرة والواردة إليه في سنة ١٢٩٨ ه ١٨٨١ م ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون فرنكا يخص الإنكليز وحدهم ، منها ألفان إثنان مليونا والباقي مع سائر الممالك وأغلبها الصين ، فهذا مستعمر الهند وحده راجت تجارتهم فيه بذلك المقدار وليقس عليه غيره.
وثاني الفوائد : أشغال معلميهم في الفنون والصنائع في تلك المستعمرات الواسعة الكثيرة السكان بما يحدثونه للأهالي على وجه الإرشاد والتعليم والتمدين عن طيب نفس منهم من المكاتب والمعامل وطرق الحديد وغير ذلك.
وثالث الفوائد : حوز الأراضي الخالية عن المالك والتعمير لها بأهالي إنكلاتيره الذين ضاقت بهم جزائرهم ، فصاروا يهاجرون منها إلى كل الآفاق التي تتيسر لهم بها المعيشة والعمل فيهاجرون إلى مستعمراتهم أولى لهم ، حتى تنتشىء منهم دولة جديدة كما وقع بالفعل في دول أمريكا المتحدة إذ غالب أهلها أصلهم إنكليز وكذلك ما هو حاصل الآن في أستراليا.
ومن أعظم فوائدهم : القوة الحربية التي تتصرف فيها انكلاتيره من عساكر ذلك المستعمر مع أن المصاريف على العساكر من دخل المستعمر فأعظم بذلك من قوة للإنكليز حتى أن عساكر الهند الذين تحت أمرها أضعاف عساكرها المستديمة فهاته الفوائد أعظم وأنجح لأمة الإنكليز من أخذهم ضريبة على سكان المستعمرات تحوجهم إلى الحقد والثورة عليهم كما وقع في أمريكا ، وأفيد لهم أيضا من جهة السياسة فإن النفوذ والرهبة والوقار الحاصل للإنكليز في جميع جهات المسكونة ليس بحاصل لأي دولة كانت أوروباوية ، وذلك أفيد للإنكليز من أن يفيدوا ألفا أو عشرة آلاف منهم بإطلاق التصرف في أحد المستعمرات ، فيكون أهلها تحت قبضتهم ويديرون فيهم قانون الإنكليز بلندره